بوليس يا إبليس(2)
مدنية الشرطة والشرطة المدنية
فريق شرطة حقوقي د. الطيب عبد الجليل حسين محمود - المحامي واستشاري القانون.
(Eltayeb2hussein@gmail.com - Eltayeb.hussein@yahoo.com)
الهاشتاق ترند Trend بوليس يا إبليس ومثيلاتها؛ عينك فوقو تركب فوقو؛ وأمن ياجن، عملياً في الخطاب المهني لوظيفة مهنة صناعة الأمن في السودان، يطرح سؤال، من أين وكيف في قاموس الشرطة السودانية دخلت كلمة عبارة مدنية الشرطة والشرطة المدنية؟ وكيف لمترادفات أخرى للعبارتين دخلت في قاموس الشرطة السودانية بمسمى الشرطة الأمنية والشرطة الشعبية والشرطة المجتمعية؛ والسؤال المنطرح، لأن وجود الشرطة السودانية الحالية مؤسسياً في هيكل الدولة السودانية واقعة قانون تقرر منذ عام 1902م بأمر عالي من اللورد كتشنر الحاكم العام لحكومة السودان الإنجليزي المصري 1898م – 1956م.
والسؤال المطروح، إجابة مؤقتة عليه، اللورد كتشنر البريطاني الجنسية قائد حملة غزو السودان المهداوي(حقبة حكومات المهدية في تاريخ السودان)، عند وصول قوة حملة غزو السودان إلى مدينة وادي حلفا السودانية شمال السودان عند حدود السودان مع مصر الحاليتين، اللورد كتشنر أنشأ في أكتوبر 1898م كتيبة قوة مطافئ لمحكافحة الحريق في البواخر النيلية للحملة، وإنشاء كتيبة المطافئ لتعمل كوحدة إطفائية متخصصة، ولتعمل كذلك كوحدة متخصصة لتأمين عمليات الحماية الداخلية للبواخر النيلية. وتشكيل كتيبة الإطفاء كانت من مجموعة سودانيين من أبناء مدينة وادي حلفا، يساندهم خليط من الضباط وصف الضباط العسكريين من الإنجليز والأتراك والمصريين. وبذلك، تاريخياً كتيبة قوة المطافئ، هي أول وحدة نظامية للوقاية من الحريق، وأول وحدة نظامية لتأمين عمليات الحماية الداخلية للبواخر النيلية (النقل النهري حالياً)؛ والهدف والغرض الإستراتيجي من إنشاء وحدة الإطفاء من الحريق وعمليات التأمين، كان لإنجاح الحملة الإستعمارية الإنجليزية المصرية لغزو السودان.
ولتفكيك التساؤلات المطروحة والإجابة المؤقتة عليها، تطويراً لشرطة السودان الحالية، اللورد كتشنر بصفته الحاكم العام الإنجليزي على السودان أصدر عام 1898م قانون العقوبات السوداني وقانون التحقيق الجنائي لسنة 1898م، وفي العام 1900م أصدر أمر تشكيل قوة شرطة متخصصة لإنفاذ القوانين الجنائية 1898م، بتجميع القوة العاملة تحت تعليمات وأوامر مشايخ وعُمد ونظار القبائل السودانية، المكلفة بعمليات الحراسة والتأمين والضبط الإداري لمجتمع القبيله للحدّ من النزاعات والصراعات الناشئة بين أفراد القبيلة من جهة، ومن جهة أخرى النزاعات والصراعات الخلافية بين القبائل الأخرى، وتجميع الضرائب وتحصيل الأتاوات المفروضة على أفراد القبيلة؛ وأن تعمل القوة المجمعة من النظار والمشايخ والعُمد تحت إمرة رؤساء محاكم عسكرية ومحاكم أخرى إدارية من رءوساء شرطة الأقاليم ومن الضباط الإداريين للأقاليم، ومحاكم أهلية مشيخية يرأسها نظار ومشايخ وعُمد القبيلة، للفصل في الجرائم الواقعة على النفس والمال والعِرض والنظام العام.
وخلال الفترة 1925م – 1979م مؤسسياً ظلت الشرطة السودانية، يحكمها قانون إداري واحد تحت قانون الشرطة 1902م، 1908م، 1925م، 1928م، وبذات مسميات وحدات الشرطة الحالية (شرطة الجنايات - بهياكلها الجنائي والأمني والإداري لضبط الجريمة والتحري فيها وتمثيل الإتهام أمام محكمة الجنايات، وتقديم المتهمين أمام المحاكم الجنائية؛ وشرطة السجون بهياكلها الإدارية، لضبط عمليات التدابير السجينية والإصلاحية للمحكومين؛ وشرطة مكافحة الحريق(الدفاع المدني حالياً)؛ وشرطة الفنارات(الموانئ البحرية حالياً)؛ وشرطة السكة حديد؛ وشرطة النقل النهري؛ وشرطة حماية الحياة البرية؛ وشرطة حماية الغابات؛ وشرطة الجمارك؛ وشرطة محكافحة إتجار الرقيق).
وتعددت قوانين شرطة السودان 1902م، 1908م، 1925م، 1928م بمسميات الشرطة المتعددة كقانون خاص إداري موحد للشرطة حتى القانون 1970، 1972م، 1979م؛ وبقانون 1979م إستقلت وحدات الشرطة الأخرى، بقوانين إدارية خاصة بالسجون والحياة البرية والمطافئ والجمارك؛ وعام 1992م بالقرارين 25، 61 لسنة 1992م الصادر من مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني؛ وحدات الشرطة المستقلة بقوانينها الإدارية الخاصة السجون والحياة البرية والدفاع المدني، وقرار عسكرة الجمارك كقوات نظامية تتبع إدارياً لرئاسة الشرطة تحت قيادة وإمرة مدير عام قوات الشرطة برئاسة الشرطة؛ بموجبه صدرت قرارت الدمج للقوات تحت مظلة قانون الشرطة 1992م والقانون الحالي 2008م المعدل 2017م؛ وتسبيب قرارات الدمج 25، 61 لسنة 1992م الصادر من رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني لسلطة الثلاثين من يونيو 1989م، أن الغرض والهدف من الدمج للقوات شرطة موحدة، لرفع قدرات قوات الشرطة، وتحقيق قدر عالى من السيطرة والتحريك والتدريب والقيادة الموحدة للشرطة تحت إمرة وقيادة مدير عام قوات الشرطة برئاسة الشرطة، ولتعمل الشرطة الموحدة تحت إشراف وزير الداخلية في وزارة الداخلية.
وخلال العام 2022م وبالقرار السيادي مرسوم دستوري 490 لسنة 2022م بتاريخ 05 أكتوبر 2022م الصادر من رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، تم إلغاء قرار دمج السجون والحياة البرية والدفاع المدني والجمارك في الشرطة برئاسة قوات الشرطة الصادر بالقرارين 25، 61 لسنة 1992م الخاص بقوات السجون وقوات الدفاع المدني وقوات حماية الحياة البرية؛ وبمقتضى القرار مرسوم دستوري 490 لسنة 2022م تم إلغاء دمج السجون والحياة البرية والدفاع المدني والجمارك مع الشرطة برئاسة الشرطة، لتصبح قوات موازية بوزارة الداخلية؛ وتسبيباً للقرار، أن القرار جاء بعد دراسة وتقييم شامل لتجربة الدمج، ولمزيداً من التجويد، وتوصيات مؤتمرات عُقدت داخل الإدارات المتخصصة، وورشة عمل على مستوى الوزارة، قُدمت فيها أربعة أوراق عمل، وتماشياً مع قرار مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2021م لتحقيق مبدأ التخصصية في العمل الشرطي، والإنتشار الإتحادي والولائي والمحلي على مستوى القطر.
وبالرجوع لمصادر ورقية ثانوية إحتياطية، وعلى سبيل المثال؛ صحيفة العين الإخبارية الأمارتية بتاريخ 14/ 04/ 2019م مقالة بعنوان: إعادة هيكلة الجيش وجهازي الشرطة والمخابرات في السودان؛ وصحيفة الشرق الأوسط موقع أوساط دوت كوم بتاريخ 18/ 06/ 2020م، مقالة بعنوان: توصيات بهيكلة جهاز الشرطة وإلغاء منصب المدير العام لقوات الشرطة ومنصب النائب العام المفتش العام لقوات الشرطة، وإعادة صلاحيتهما لوزير الداخلية؛ وموقع صفحة كوش نيوز نت بتاريخ 31/03/ 2021م، مقالة بعنوان: مطالب بإعادة هيكلة الشرطة والقضاء؛ والصفحة الإلكترونية مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية بتاريخ 26 فبراير 2021م، مقالة بعنوان: خطوات سودانية بطيئة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية؛ وصفحة باج نيوز بتاريخ 14 يونيو 2022م، مقالة بعنوان: السودان .... قرار إعادة منسوبي الشرطة السابقين يدخل حيز التنفيذ.
وبقراءة تحليلية للمقالات الخبرية للمواقع المحايده؛ العين الإخبارية الأماراتية، والشرق الأوسط، وموقع كوش نيوز، ومركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، يتبين للمراقب والمتابع، أن الغرض والهدف من هيكلة الشرطة في جدلية إعادة الهيكلة، هو إبعاد عناصر من ضباط الشرطة، على زعم الإنتماء لنظام الثلاثين من يونيو 1989م؛ وكما يعطي تفسيرات أسباب قرارات إحالة ضباط شرطة للتقاعد بالمعاش بموجب قرارات الفترة 2019م – 2023م، لشبهة الإنتماء للنظام السابق سلطة الثلاثين من يونيو 1989م، بناء على تقارير وتوصيات مصطنعة ومضروبه، لا أساس لها من الواقع والقانون، وأن تقارير وتوصيات فترة 2019م – 2023م تصدر على ذات منهجية قرارات إنهاء خدمة ضباط شرطة لحقبة فترة الثلاثين من يونيو 1989م الأسوأ فترة وحقبة في تدابير إنهاء خدمة ضباط الشرطة، لأنها التوصيات من الوزير كانت لا تتورع بقذف ورمي الضابط بالمثلية وسوء السمعة وضعف الآداء والقدرات، دونما أي تدابير إدارية أو إجراء تحقيق أو محاسبة أو محاكمة. وربما وفقاً لموقع باج نيوز بتاريخ 14 يونيو 2022م، المتابع يتساءل، أين في الواقع ضباط الشرطة المحالين السابقين الذين تم إعائدتهم للخدمة وما عددهم؟
ودستورياً، دسترة لأجهزة القوات النظامية بالنص عليها في الدستور بنص صريح ومباشر، وردت كلمة الشرطة لأول مرة في دستور السودان الدائم 1972م تحت عبارة الشرطة والأمن، حيث وردت الشرطة ككيان إداري مستقل في هيكل الدولة ضمن أجهزة إنفاذ القانون، وجاءت عبارة الشرطة والأمن في الدستور بعد الإشارة لعبارة القوات المسلحة السودانية؛ وكذلك الشرطة ككيان مستقل، وردت في دستور 1998م ضمن أجهزة إنفاذ القانون، بعد القوات المسلحة السودانية، وقبل جهاز أمن الدولة؛ ومن ثمّ، تعود الشرطة ككيان مستقل في دستور 2005م، ولكن مع نص دستوري مستقل للسجون والحياة البرية، ككيانين مستقلين؛ لترد مفصلة في قانون الشرطة كل وحدات الشرطة(السجون، الحياة البرية، الدفاع المدني، الجمارك، وأي شرطة أخرى متخصصة) تنظيماً لها في قانون الشرطة 1992م، 1999م، 2008م المعدل 2017م، بتعريفها إصطلاحياً تحت عبارات شرطة أخرى أو الشرطة المتخصصة (وتعني السجون والحياة البرية والدفاع المدني والجمارك).
وأخيراً خلال العام 2022م، صدر مرسوم سيادي، يقضي بتبعية إدارات الشرطة المتخصصة بصفة مباشرة رأسياً للوزير، وإلغاء منصب نائب المدير العام المفتش العام للشرطة؛ وأن تكون وحدات الشرطة بمسمياتها المتعددة، وحدات مستقلة، ولكن تحت قيادة وتدريب وسيطرة وتشغيل وتنظيم إداري موحد، وتعمل تحت المسئولية المباشرة لوزير الداخلية؛ وفي تطور لافت خلال العام 2024م صدر قرار سيادي بتعيين نائب المدير والمفتش العام للشرطة في رئاسة الشرطة، إلغاءاً لقرار إلغاء منصب نائب المدير العام والمفتش العام الصادر خلال العام 2022م، وصدور قرارات وأوامر وزارية، بتعيين مدراء عاميين لشرطة السجون والحياة البرية والدفاع المدني والجمارك. ومن ثمّ، حدث تطور دستوري لاحق في الوثيقة الدستورية تعديل 2025م، بتسمية دستورية للشرطة، تحت المادة 36 عنوان قوات الشرطة؛ وتفسيراً للمادة بمقتضى المادة 36 القوات المسلحة، وجملة قانون قوات الشرطة هو الذي يفصل مهامها، والإختصاص الحصري للشرطة، أن تعمل على حفظ الأمن ومكافحة الجريمة وحماية المجتمع ورعاية النزلاء ومكافحة التهريب الجمركي وحماية الممتلكات والمنشئات العامة والحياة البرية والبيئية، المتابع والمهتم، يستخلص من الدستور وحدة إدارات الشرطة والسجون والحياة البرية والدفاع المدني والجمارك في رئاسة الشرطة في وزارة الداخلية، فيما يتعلق بالموارد البشرية والموارد المالية والتحفيز المالي والضمان الإجتماعي لمنسوبي الشرطة، مما يعني ضرورة تعيين رتبة قيادية عليا في رتبة الفريق وأعلى، يتبع للوزير ولرئاسة الشرطة.
وعلى سردية تاريخ الشرطة السودانية، سؤال من أين جاء مفهوم إصطلاح أو مصطلح مدنية والمدنية، والمفاهيم الأخرى المترادفة لها، الواردة في الشرطة المجتمعية والشرطة الشعبية والشرطة العسكرية والشرطة الأمنية؛ ومترادفات الشرطة الواردة في هياكل إدارية أمنيه مستقلة موازية للشرطة، الواردة في عمليات إدارة الأمن الداخلي، ضمن إختصاصات هياكل المخابرات العامة في السودان. أي السؤال بصيغة أخرى، من أين جاء مفهوم مصطلح المدنية مقروناً بإسم الشرطة السودانية، الإسم التاريخي للشرطة السودانية؟ وبمعنى آخر، مفهوم ومصطلح المدنية وقرنه بإسم الشرطة السودانية، كيف تم إستيراده أو إستلافه أو إستعارته في الخطاب المهني لوظيفة صناعة الأمن؟ وذات التساؤلات في إصطلاح أو مصطلح مدنية والمدنية، تطرح أسئلة من أين جاء إستلاف وإستعارة مدنية الشرطة والشرطة المدنية والشرطة المجتمعية والشرطة الشعبية؟ وما دواعي وأسباب التعديلات المتكررة لقوانين الشرطة منذ نشأتها مؤسسياً في حقبة فترة الحكم الثنائي المصري على السودان 30 ديسمبر 1989م – 01/ 01/ 1956م وفي حقبة فترة الحكم الوطني؟ وما أثر التعديلات التشريعية للقانون والقرارت والأوامر التنفيذية المتعددة على مهنية الشرطة وإحترافيتها لتأدية مهامها وواجباتها؟
والتساؤلات تطرح نفسها، توطئة لتناول مهام وواجبات الشرطة لحقبة فترة ما بعد الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل 2023م، ومسئوليات الشرطة الحمائية والتأمينية لأمن سلامة النفس والمال وحفظ النظام العام بوسائل الشرطة العُنفية والسلمية؛ والبحث والتنقيب عن معايير وأسس وضعية ومكانة الشرطة ضمن أجهزة القانون؟ ومعايير وأسس إنفتاح الشرطة رأسياً وأفقياً في الولايات الآمنة والولايات المحررة من سيطرة مليشيا الدعم السريع في ولاية سنار وولاية الجزيرة وولاية الخرطوم، لمجابهة حالات الإنفلات والفوضى الأمنية؛ وحاجة الشرطة لتعديلات قوانين ذات صلة وإرتباط بمهام الشرطة وواجباتها، وذلك، لتعزيز عمليات الأمن الداخلي وعمليات الحماية المدنية في السلم والحرب. ولإضفاء القوانين وتعديلاتها، إيجاد ووضع حماية من القانون حقيقية للشرطة، لتحقيق غايات عدم إفلات المجرمين من العقاب في الجرائم الخطيرة والمستحدثة والعابرة للحدود، وبما في ذلك الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن عشرة سنوات وأكثر، وللحديث بقية.
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين
المحامي إستشاري القانون والموثق
17 مايو 2025م
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات