الدبلوماسية من منظور قانوني فلسفي
إعداد
المستشار د. منذر صديق أحمد
من المعلوم أن الدولة تتكون من شعب وإقليم وسيادة إلا أن هذه الدولة تربطها روابط مع غيرها من الدول ممايتطلب وضع تلك الرابطة في إطار قانوني ينظمها ذلك لأن الأمر لايتعلق بأشخاص طبيعيين بل مؤسسات رسمية خاصة وأن تاريخ العلاقات الدولية بين أغلب الدول في الأونة الأخيرة شهد نزاعات دولية في مجالات متعددة وهذه القراءة لاتعني أن جميع العلاقات كان يسودها الفوضى بل أثبت التاريخ وجود أشكال عديدة من التعامل السلمي المبني على تقارب وجهات النظر ، ممايدل على أن الإتصال بين شعوب الإمبراطوريات والممالك والدويلات قديما لم يكن قاصر على ميدان القتال والعدو ولكن كانت هنالك علاقات سلمية على قدر من الاستقرار بينما تمسك كل طرف في العلاقات الدولية بسيادته خلق نوع من التفكير لدى الدول يحتم عليهم تنظيم العلاقات الدولية في شكل ثنائي أو جماعي يخدم المصالح المشتركة . ومصداقا لذلك ظهرت اتفاقية تخدم مصالح الدول . وتستحدث من حين لأخر حسب مايقتضيه الحال من تطور .
لذا فإن العلاقات الدبلوماسية والعلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الدولية .وبالتالي تغطي العلاقات السلمية والحربية بين الدول . وتجدر الإشارة الى ان موضوع الدبلوماسية والقواعد المنظمة له تبرز أهميتها في هذا القرن من خلال ضخامة وحجم العاملين في السلك الخارجي ، لذلك سنتطرق لمفهوم الدبلوماسية وأهم الظروف والقواعد المساهمة في تنظيمها .
أولا: مفهوم الدبلوماسية
من أهم أدوات الاتصال بين الدول التمثيل الخارجي ، ولما كانت البعثات الدبلوماسية هي الاجهزة التي تقوم بتنظيم وإدارة العلاقات بين الدول فإنه في العصر الحالي لايمكن تصور أي دولة ذات سيادة لاتوجد بها بعثات دبلوماسية أو لاتقوم بإرسال دبلوماسيين إلى دول أخرى . اذ اصبح ذلك الأساس في العلاقات الدولية .
- إن الدبلوماسية في الأصل ذات جذور إغريقية مشتقة من كلمة
Diploma
ثم أجمع الفقهاء على أن أصل المصطلح يوناني . كما تعني الوثيقة أو الشهادة التي تطوى على نفسها . والتي كانت تصدر عن الشخص الذي بيده السلطة العليا في البلاد وتخول حاملها امتيازات خاصة .
أما المعنى الثاني الذي استعمله الرومان لكلمة الدبلوماسية كان يفيد ويدل على طباع المبعوثين أو السفير . بل إتسع المفهوم ليشمل المفاوضات والسياسة الخارجية . واللغة العربية استخدمت لتعبر عن مفهوم علمي له أصوله وقواعده المنظمة .
-أما التعريف الفقهي فقد إختلف فقهاء القانون الدولي العام خاصة المهتمين بدراسة العلاقات الدبلوماسية في تحديد معنى الدبلوماسية لاختلاف مذاهبهم ، فقد عرفها الكاتب الدبلوماسي البريطاني نيكلسون وهو تعريف وارد في قاموس اكسفورد : ( إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات أو اسلوب معالجة وإدارة هذه العلاقات من قبل السفراء والمبعوثين ) .
فالدبلوماسية علم وفن معا ، فهي علم لانها تستوجب معرفة العلاقات القانونية والسياسية لمختلف الدول ومصالحها وتقاليدها التاريخية وأحكام المعاهدات . وهي فن لانها تهتم بإدارة الشؤون الدولية وتتطلب القدرة على تنظيم ومتابعة المفاوضات السياسية .
-ونحن نرى أن الدبلوماسية تعني : ( فن إدارة العلاقات الدولية ) .
ثانيا : القواعد المنظمة للتمثيل الدبلوماسي
تمثل القواعد المنظمة للتمثيل الدبلوماسي في العرف الدولي وهو كل تصرف ثابت موحد مستقيم أو هو مجموعة من الأحكام القانونية المنبثقة من عادات عدد صغير من الدول ثم تبنتها دول أخرى بالنظر إلى فائدتها بحيث إنتهى قبولها بوجه عام في النهاية إلى قواعد جديدة في القانون تنطوي على إلتزامات معينة . وغالبية القواعد المتعلقة بالحصانات والامتيازات كان ينظر إليها على أنها قواعد العرف الدولي ، فكل دولة لها مصلحة وسلطة أن تمنح وضعا خاص للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها على أن تعامل بعثتها في الخارج بالمثل .
كما تعتبر التشريعات الوطنية الداخلية من القواعد المنظمة للتمثيل الدبلوماسي خاصة في مجال الامتيازات والحصانات . فعلى الرغم من أن القانون الداخلي لايمتد سلطانه غلى الدول الأخرى إلا أن التعامل الدولي جعل من قواعده مصدرا يمكن اللجؤ إليه لاثبات وجود القاعدة الدولية .وقد كانت أول إتفاقية دولية عامة عالجت العلاقات الدبلوماسية وحصانات وامتيازات المبعوثين الدبلوماسيين هي اتفاقية / هافانا / عام 1928م بالرغم من أن القواعد يمكن أن ينظر اليها على أنها قواعد مجاملات دولية والبعض الأخر ينظر اليها على انها من القواعد العرفية سرعان ماتحولت الى قواعد لها قيمة قانونية يجب على الدول الالتزام بها ، خاصة وأن العرف يتكون من عنصر مادي يتمثل في اعتياد الدول اتباع سلوك دبلوماسي معين ، وعنصر معنوي يدل على الشعور بالالزامية في اتباع هذا السلوك . كل هذا يدل على أن العرف من أهم مصادر القانون الدولي الدبلوماسي .
خاتمة :-
مهما تعددت التسميات المختلفة للدبلوماسية فإن هدفها واحد هو تنظيم العلاقات السلمية بين الدول وفي بعض الاحيان زمن الحرب ولايأتي ذلك طبعا الا بإرادة الدول بصفة ثنائية أو جماعية عن طريق عقد اتفاقيات .ويكون موضوعها مباشرة التمثيل الدبلوماسي عن طريق الأجهزة الداخلية الممثلة في رؤساء الدول ووزراء الخارجية أو الأجهزة الخارجية الممثلة في البعثات الدبلوماسية سواء الدائمة منها أو المؤقتة . حيث تم تقنين قواعد القانون الدولي الدبلوماسي سنة 1961م بموجب الاتفاقية الدولية للعلاقات الدبلوماسية الخاصة بالبعثات الدائمة دون تطور ، الى أن تم تدارك الأمر بإقرار الاتفاقية الدولية للبعثات الدبلوماسية الخاصة وهكذا تحولت قواعد العلاقات الدبلوماسية من القانون العرفي الى القانون الدولي المدون .
وفي رأينا أن ذلك يتطلب إدراج نصوص في التشريعات الوطنية تسهل المصادقة على الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن . وأن يتم رسم اطار قانوني يحكم النزاعات الناجمة عن تطبيق قواعد القانون الدولي للعلاقات الدبلوماسية وتحديد ألية دولية أو محكمة مستقلة لملاحقة ومساءلة من ينتهك القواعد القانونية المنظمة لحماية البعثات الدبلوماسية .
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات