مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء في السودان(8)

موجز الاخبار

مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء في السودان(8)

مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء في السودان (7)

فريق شرطة(حقوقي)

د. الطيب عبدالجليل حسين محمود

المحامي إستشاري القانون والموثق

(Eltayeb2hussein@gmail.com -  Eltayeb.hussein@yahoo.com
 
(عقلية ومنطق ومنهجية وتفكير قاضي المحكمة الدستورية)
في البنية العميقة للأنظمة القانونية ودولة القانون، يتبوأ القاضي موقعًا مركزيًا بوصفه الركيزة الجوهرية التي يقوم عليها صرح العدالة ومؤسساتها. فهو ليس مجرد فاعل إجرائي يطبّق النصوص، بل مهندس للمنظومة القضائية ومُصمِّم لآلياتها، بما يضمن اتساقها مع مبادئ الشرعية والإنصاف وحماية الحقوق والحريات. وبمعنى آخر، القاضي ليس مجرد أداة لتطبيق النصوص التشريعية، بل فاعل مؤسسي وفكري يضطلع بمهمة تفسير القوانين وتكييفها بما يتوافق مع المبادئ الكلية للنظام القانوني، وضمان اتساقها مع الدستور وروح العدالة، ويقوم القاضي بدور مركزي في ترسيخ دعائم دولة القانون عبر تفسير النصوص التشريعية، وملء الفراغات القانونية، وضبط توازن القوى بين السلطات، بما يحافظ على الانسجام بين مقتضيات السلطة ومتطلبات الحق. فالقاضي من خلال سلطته في فض النزاعات وإرساء السوابق القضائية، يسهم في إنتاج وصياغة العقل القانوني الجمعي، وتوجيه حركة القانون في مسار يوازن بين مقتضيات السلطة وضمانات الحقوق والحريات الأساسية. إن وظيفة القاضي تتجاوز الفصل في المنازعات إلى المشاركة في صياغة العقل القانوني الجمعي للمجتمع، وإعادة إنتاج الشرعية السياسية والاجتماعية في إطار قانوني منظم. وعلى هذا الأساس، يتجاوز دور القاضي حدود الوظيفة القضائية التقليدية إلى وظيفة بنائية هندسية، فالقاضي فاعل اجتماعي سياسي، يسهم في تصميم وإدارة البنية المؤسسية لدولة القانون، ويؤدي دور الضامن لشرعية القرارات والسياسات العامة، والمُحكِّم بين السلطات في إطار مبدأ الفصل والتوازن بينها، ويشكل في النظام القانوني جسرًا بين النص والواقع، وبين المعيار المجرد والحياة الاجتماعية المتغيرة، مما يجعل من القاضي أداة حيوية لإعادة إنتاج الشرعية السياسية والاجتماعية في سياق قانوني منظم. ومن ثم، يصبح القاضي في جوهره مهندساً للعدالة بالمعنى المؤسسي والفلسفي، ومؤتمنًا على قيم الموضوعية والنزاهة والمساءلة والشفافية، التي تمثل الأساس الأخلاقي والسياسي لدولة القانون. إن وظيفة القاضي تتجاوز الفصل في المنازعات إلى المشاركة في صياغة العقل القانوني الجمعي للمجتمع، وإعادة إنتاج الشرعية السياسية والاجتماعية في إطار منظم من القانون. وبذلك، يصبح القاضي ركيزة أساسية في هندسة إدارة الدولة القانونية التي تخضع للقانون بوجود قانون يحكم السلطة، ودولة القانون التي تحترم القانون بتأمين عدالة القانون نفسه وخضوع الجميع له، حيث يلتقي البعد المؤسسي مع البعد القيمي، وتتجسد العدالة كمنظومة متكاملة تحكمها مبادئ الموضوعية والنزاهة والمساءلة.
غير أنّ طبيعة الوظيفة القضائية، وحدود الاختصاص، ومجال النظر، تصوغ لكل فئة من القضاة في المنظومة القضائية والعدلية فلسفةً مهنية ومنهجيةً عقلية خاصة. ويبرز هذا التمايز بوضوح عند المقارنة بين قاضي المحكمة الدستورية وقاضي المحاكم العادية في مستويات محاكم الموضوع الابتدائية ومحاكم الاستئناف في المستويات الأعلى درجة. فقاضي المحكمة الدستورية يتعامل مع النصوص في أفقها الكليّ، بوصفها تعبيراً عن الإرادة الدستورية العليا، ويعمل على ضبط التوازن بين السلطات وصيانة الحقوق والحريات في مواجهة المشرّع أو السلطة التنفيذية، وعند الاقتضاء من متضرر أو شاكي فحص أحكام محاكم السلطة القضائية لمواءمتها مع الدستور والقانون. أما قضاة المحاكم العادية الابتدائية والاستئناف والنقض والمراجعة والفحص، يباشروا مهمتهم ضمن سياقات وقائع محددة، وضمن إطار قانوني إجرائي وموضوعي تفصيلي، ملتزمين بفهم القانون وتطبيقه على النزاع الماثل أمامهم.
وبمعنى آخر، على الرغم من أنّ القاضي(أي قاضي) – في أي موقع – ينهض بمهمة إحقاق الحق وتطبيق القانون، فإنّ المسافة الفكرية والمنهجية بين قاضي المحكمة الدستورية وقضاة مستويات المحاكم العادية، ليست مجرد اختلاف في درجة الاختصاص أو نوع القضايا، بل هي فجوة فلسفية، تعكس تصورين متباينين تماماً لوظيفة القضاء ومعناه لإرساء قيم العدالة واحترام القانون بين الناس دونما تمييز. فقاضي المحكمة الدستورية لا يقف عند حدود تفسير النصوص التشريعية أو إنزال القواعد على الوقائع؛ إنما يتحرك في فضاء أوسع، حيث يُعيد تعريف المعايير الدستورية ذاتها، ويمارس سلطةً أقرب إلى الهندسة الدستورية التي تعيد تشكيل علاقة المواطن بالدولة. وفي المقابل، يجد قضاة المحاكم العادية أنهم مقيّدين بالبنية التشريعية القائمة، مُلزَمين بتطبيقها كما هي Law as is it is ، ولو تعارضت –  في نظرهم – مع مقاصد العدالة الكلية. فهذه الفجوة والتمايز في فلسفة ومنطق عقل إقامة صرح العدالة، توضح أن عقل قاضي المحكمة الدستورية محكوم بفلسفة ومنطق مغاير جذرياً لعقل قضاة المحاكم العادية في مستوياتها الابتدائية والأعلى، وهذا التمايز يبدو بوضوح جلي بين قاضي المحكمة الدستورية وقاضي المحاكم العادية، بحيث يصبحان أقرب إلى مدرستين فكريتين مختلفتين في فهم العدالة وممارستها.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك التباين، قاضي المحكمة الدستورية وقضاة المحاكم العادية في مستوياتها، يشتركان في جوهرٍ واحد، يختلف فقط في أدواته ومجال عملهما. فلكل منهما نسقاً فكرياً ومعياراً قضائياً متميزاً يعكس اختلافاً جوهرياً في طبيعة الدور ووظيفة الحكم القضائي الذي يصدر من المحكمة الدستورية وأحكام مستويات المحاكم العادية. فلا تبدو الفجوة بين عقل قاضي المحكمة الدستورية وعقل القاضي في مستويات المحاكم العادية، مجرد تمايز تقني أو اختلاف في الاختصاص، بل أقرب إلى انقسام فكري، يعكس رؤيتين متنافرتين للعدالة ذاتها:
(الرؤية الأولى): ترى في القضاء أداة لصيانة البنية الدستورية وحماية القيم العليا حتى لو اقتضى الأمر تجاوز النصوص التشريعية الأدنى مرتبة، ويتعامل مع النصوص الدستورية في أفقها الكلي، ويركز على ضبط التوازن بين السلطات وصيانة الحقوق والحريات، بما يعكس الإرادة الدستورية العليا. 
(الرؤية الثانية): تحصر دور القاضي في الإذعان لمنظومة تشريعية قائمة مهما كانت عيوبها، تاركةً مهمة الإصلاح للمشرّع وحده، ويعمل ضمن إطار قانوني و إجرائي محدد، يقتصر فقط على النزاعات الواقعية أمامه، ملزماً بتطبيق القوانين التشريعية كما هي.
هذا الانقسام الفلسفي والمنهجي بين عقل قاضي المحكمة الدستورية وعقل قضاة المحكمة العادية في مستوياتها، يعكس تصورين متباينين تماماً لوظيفة القضاء ومفهوم العدالة. ويثير تساؤلات جوهرية حول مدى إمكانية تحقيق توازن منسجم بينهما في منظومة قضائية واحدة، دون ارتباك أو تناقضات منهجية. ويفرض سؤالاً أكثر إلحاحاً: هل يمكن لنظام قضائي أن ينهض على هاتين الفلسفتين المتباعدتين دون أن يُصاب بارتباك في بوصلة العدالة؟ أم أنّ الأمر يستدعي إعادة تعريف العلاقة بين القضاء الدستوري والقضاء العادي على نحو يضمن انسجام المنهجية القضائية، دون إلغاء خصوصية كل طرف؟
إن الإجابة على التساؤلات ليست إجابات تقنية فحسب، بل تمس جوهر مشروع الدولة وسيادتها على معايير الحق والإنصاف، ما يطرح طبيعة الاختلاف الفلسفي والمنهجي لكليهما (قاضي المحكمة الدستورية وقضاة المحاكم العادية في مستوياتها الإبتدائي والأعلى)، ولكن مع تأكيد، أن القاضي في بنيان النظام القانوني حجر الزاوية لإقامة صرح العدالة وهندسة إدارة الدولة القانونية ودولة القانون، وضمان تطبيق القانون على الأفراد والمؤسسات، ومن ثم تحقيق مبدأ سيادة القانون.
فأوجه التباين والانقسام والفجوة الفلسفية والمنهجية تبين وتوضح أن الوظيفة القضائية ليست متجانسة، بل تتوزع بين مستويات قضائية متباينة في طبيعة الاختصاص، ومنهجية العمل، و أفق التفكير. فقاضي المحكمة الدستورية ينظر إلى النصوص الدستورية بوصفها تعبيراً عن الإرادة العليا للدولة، وقاضي المحاكم العادية في مستوياتها يلتزم بتطبيق تشريعات القوانين كما هي في النزاعات الواقعية Law as is it is . كما تكمن أهمية التباين والانقسام الفلسفي و المنهحي النوعي في تأثيره على منظومة العدالة ككل، وتوازن السلطات، وحماية الحقوق الأساسية. مما يطرح تساؤلات قانونية وفلسفية عميقة حول، مدى تماسك النظام القضائي، ومدى انسجام المناهج بين هذين النوعين من القضاء(القضاء الدستوري والقضاء العادي).
وتفصيلا، نبدأ بعقلية قاضي المحكمة الدستورية، إعتماداً على الفلسفة القانونية والفكر القانوني لعقل قاضي المحكمة الدستورية. فهو قاضي الدستور - سواء في نظام إدارة القضاء برأس واحد (أحادي الرأس) Monocephalous Judiciary أي Judiciary Monistic، أو إدارة القضاء برأسين (ثنائي الرأس) Bisephalous Judiciary أي Dual-monistic Judiciary - ينظر إلى الدستور كإطار شامل ومبدئي، بوصف الدستور عقداً اجتماعياً شاملاً يحدد هوية الدولة وحقوق الإنسان وصلاحيات السلطات، وأنه (أي الدستور) يشكل القاعدة العليا في هرم تشريعات القوانين والتدابير التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تتخذها سلطة الدولة (الحكومة). وتبعاً عليه، وظيفة قاضي المحكمة الدستورية، تتجاوز تفسير النصوص التشريعية، إلى وظيفة تصل مراقبة مدى التزام تشريعات القوانين والإجراءات بحقوق وحريات المواطنين، وضبط أعمال الحكومة في إطار الدستور. ويقوم بعملية تفسير ذات أفق شامل وتعديلي، يمكنه بموجبه مراجعة دستورية القوانين، وتأسيس معايير جديدة للعدالة. وإزاء ذلك، قاضي المحكمة الدستورية يتمتع بسلطة مراجعة دستورية شاملة للتشريعات والقوانين وأعمال الحكومة، بما يمكنه من إلغاء أو تعليق تشريعات القوانين وأي من تدابير أعمال الحكومة التي تتعارض مع الدستور، وهو ما يعرف بالرقابة الدستورية. وهذا الدور الوظيفي لقاضي المحكمة الدستورية يتطلب منهجاً تأويلياً تأصيلياً يُعيد صياغة وتطوير معايير العدالة وضبط أعمال الحكومة، بما يتلاءم مع تطورات المجتمع ومتطلبات حقوق الإنسان.
وبذلك قاضي المحكمة الدستورية يمارس دور مهندس دستوري يعيد صياغة المعايير التي تحكم علاقة المواطن بالدولة، ويتجاوز النصوص التشريعية الأدنى(القانون العادي واللوائح والقرارات) في سبيل حماية القيم الدستورية العليا. ووسيلته المنهجية إستخدام منهجية التحليل للنص التشريعي Legislative Analysis، والنقد للنصوص التشريعية Legislative Critique، والتحليل النقدي للنص التشريعي Analytical Critique، والنقد التحليلي Analytical Critique of Legislative Texts للنصوص التشريعية. فهي منهجية قضائية بها قاضي المحكمة الدستورية يعيد إنتاج تفسير النصوص التشريعية وفق مقاصد الدستور وروحه، وممارسة سلطته في إبطال القوانين والتدابير الحكومية المخالفة للدستور، أو إعادة إنتاج صياغة المعايير التشريعية، فهو بذلك يؤدي دور الاجتهاد القضائي في صناعة القانون. ويمكن القول، أن قاضي المحكمة الدستورية، أشبه بالمخطط العمراني والاستشاري المعماري الهندسي الذي يراجع صلاحية خرائط عمران جاهزة للتنفيذ أو يجري تنفيذها على أرض الواقع. فعقلية قاضي المحكمة الدستورية عقلية رقابية عليا، تضع الدستور فوق كل تشريعات القوانين، وتؤسس لمشروعية الدولة ذاتها.
وبمعنى أكثر شمولية، من حيث طبيعة الوظيفة القضائية، ومجال الاختصاص، وأسلوب التفكير القانوني لقاضي المحكمة الدستورية، العقلية القانونية التي تحكم ذهنية قاضي المحكمة الدستورية، تجعل منه المراقب الأعلى على النظام القانوني ذاته. إنه لا يطبّق القاعدة، بل يختبر مشروعيتها من منظور دستوري أعلى. وبذلك تصبح وظيفة قاضي المحكمة الدستورية أقرب إلى الفيلسوف القانوني، الذي يتأمل في حدود السلطة، وشرعية الحكم ومبدأ العدالة أكثر من كونه منفذًا لنصوص تشريعية. ووسيلته وسلطته من الدستور والقانون، فحص مدى توافق النصوص القانونية ذاتها مع أحكام ومبادئ الدستور، وإبطال تشريعات القوانين المخالفة للدستور. قاضي المحكمة الدستورية لا يقف على ضفة التطبيق لتشريع القانون، بل يقف على حافة التأسيس، وهو ما يستلزم ذهنية عقلية مجردة، وقدرة تأويلية رفيعة، وإدراكًا عميقًا للتوازنات بين السلطات والحقوق. أي يتطلب من قاضي المحكمة الدستورية عقلية قانونية ذات طابع تأويلي، تقوم على تحليل النصوص الدستورية، وفهم المبادئ العامة، وتقدير التوازن المؤسسي بين السلطات. وبالتالي يمكن القول، عقلية قاضي المحكمة الدستورية عقلية تأسيسية، رقابية، تتجاوز حدود التطبيق لتشريعات القوانين إلى مساءلة ومحاكمة بنية النص التشريعي للقوانين، وبما في ذلك البنية القانونية للدولة ذاتها. لاعتبار قاضي المحكمة الدستورية هو حارس للدستور، ومؤسس للشرعية القانونية، يتعامل مع المفاهيم الدستورية والمبادئ العليا، وسلطته تتجلى في مراقبة مدى التزام النص الدستوري ونصوص تشريعات القوانين بالمبادئ والقيم الدستورية العليا. لأن عقلية قاضي المحكمة الدستورية عقلية فوقية، تنظر إلى الأعلى (المشروعية). 
ومن حيث الاختصاص، قاضي المحكمة الدستورية لا يحاكم الوقائع وفق النصوص التشريعية القانونية، بل يحاكم النصوص القانونية نفسها - سواء كانت تشريعات قوانين صادرة عن السلطة التشريعية أو أحكاماً قضائية صدرت عن المحاكم العادية - من حيث مدى انسجامها مع أحكام الدستور. وبهذه الصفة، يُناط بقاضي المحكمة الدستورية إصدار أحكام ذات طابع تأسيسي، قد تنتهي إلى إلغاء نصوص قانونية أو إبطال أثر ومفاعيل أحكام قضائية صدرت من السلطة القضائية، إذا ثبت تعارضها مع الدستور. لإعتبار المحكمة الدستورية، لا تعيد النظر في موضوع النزاع، ولا تراجع الأحكام القضائية النهائية لمحاكم القضاء العادي من حيث الوقائع أو الأدلة. فهي ليست محكمة طعن أعلى على غرار محكمة الاستئناف أو محكمة النقض والمراجعة والفحص، ولا تفصل المحكمة الدستورية في الحقوق والالتزامات الشخصية مباشرة بين أطراف الدعوى القضائية، بل تبت فقط في مدى مطابقة الحكم أو النص القانوني للدستور. وبالتالي، ليست المحكمة الدستورية درجة من درجات التقاضي، لكنها تُمارس وظيفة رقابية فوقية على الأحكام القضائية النهائية من حيث مدى مطابقتها لأحكام ومبادئ الدستور. وبمقتضى صلاحية المحكمة الدستورية الفوقية على الأحكام القضائية لمحاكم القضاء العادي، تمارس المحكمة الدستورية صلاحية سلطة إبطال حكم قضائي نهائي صادر من محاكم القضاء العادي، إذا ثبت أنه تأسس على نص غير دستوري، أو انتهك حقًا دستوريًا مكفولًا، لكن المحكمة الدستورية لا تعيد النظر في النزاع من حيث موضوعه.
وتأسيساً عليه، المحكمة الدستورية ليست درجة تقاضٍ عليا بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه في مستويات محاكم القضاء العادي الابتدائي والاستئناف والنقض والمراجعة والفحص، إنما المحكمة الدستورية سلطة رقابية عليا مستقلة عن محاكم السلطة القضائية، تضطلع بمهمة فحص مدى اتفاق تشريعات القوانين والأحكام القضائية النهائية مع الدستور، وحماية الحقوق والحريات المكفولة في الدستور. وعليه، دور المحكمة الدستورية لا يتمثل في مراجعة وقائع النزاع أو تطبيق القانون الموضوعي، وإنما في ضمان دستورية ما طُبّق من تشريعات قوانين، وما صدر من أحكام قضائية، وذلك في حدود الرقابة القضائية الدستورية التي تختص بها المحكمة الدستورية دون أن تُشكّل امتدادًا طبيعياً لسلم التقاضي العادي في مستويات درجات محاكم القضاء العادي. ولكن عملياً، المحكمة الدستورية تنظر في وقائع الدعوى القضائية، دونما تدخل في تقدير الأدلة ووزنها، وإنما المحكمة الدستورية تطلع على عناصر القضية - من حيث الوقائع والموضوع والإثبات واجراءات المحاكمة المترتب عليه الحكم القضائي النهائي من محاكم القضاء العادي – نظراً فيها فقط من زاوية تفسيرية للنصوص التشريعية من الدستور والقانون، بغرض فحص مدى التزام الحكم القضائي المطعون فيه دستورياً بضمانات المحاكمة العادلة، أو بعدم انتهاكه لحق دستوري مكفول نظمه القانون. ومن ثم، نظر المحكمة الدستورية للوقائع، يتم بصورة غير موضوعية، بل بصورة تحليلية وإنتقادية، خادمة لوظيفتها الرقابية على دستورية الإجراءات والنتائج، لا للفصل في موضوع النزاع ذاته.
وتوضيحاً، يمكن القول، المحكمة الدستورية لا تنهض وظيفتها على إعادة النظر في الوقائع الموضوعية أو تقييم الأدلة ووزن البينات التي بُني عليها الحكم القضائي النهائي أمام مستويات درجات القضاء العادي، وكما لا تملك سلطة مراجعة موضوع النزاع بين الخصوم. وإنما ينحصر دور المحكمة الدستورية في فحص مدى توافق الحكم المطعون فيه دستورياً مع أحكام ومبادئ وقيم الدستور. ومن ثم يمكن القول، اطلاع المحكمة الدستورية على الوقائع أو الأدلة، يكون من باب الاستئناس أو الفهم السياقي لإجراءات وموضوع الدعوى القضائية الأصلية، بغرض التحقق مما إذا كان الحكم القضائي قد ترتّب عليه انتهاك حق دستوري، أو تطبيق لنص قانوني مخالف للدستور، وهو ما يُبرر للمحكمة الدستورية إما إبطال الحكم القضائي أو المصادقة عليه وفقًا لنتيجة الرقابة الدستورية.
وللحديث بقية، نتناول فيها طريحة Thesis ونقيضه Anti - thesis  وتوليفة Synthesis الأبعاد الفلسفية والتوجهات الفكرية الكامنة وراء عقلية ومنهجية قاضي المحاكم العادية - سواء في محاكم الموضوع الابتدائية والمحاكم الأعلى - للبحث والنظر في الإطار الذهني والمعيار القضائي، الكاشفان، طبيعة الوظيفة القضائية ومجال الاختصاص لقاضي محاكم القضاء العادي.
فريق شرطة (حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
المحامي إستشاري القانون والموثق
13 أغسطس 2025م

 📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات

 بالضغط هنا ⚖️ أو للمتابعة عبر تطبيق "خدمات قانونية" قم بتحميله بالضغط هنا

♻️ شارك المنشور تكرما ♻️
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -