مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء والعداله في السودان (5/ 2)

موجز الاخبار

مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء والعداله في السودان (5/ 2)

 مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء في السودان (5/ 2)

فريق شرطة(حقوقي)

د. الطيب عبدالجليل حسين محمود

المحامي إستشاري القانون والموثق

(Eltayeb2hussein@gmail.com -  Eltayeb.hussein@yahoo.com
 

لفهم طبيعة الدستور، والقانون الدستوري، والقضاء الدستوري، والقضاء العادي، وموقع المحكمة الدستورية ضمن بنية الدولة (أي هيكل الحكومة لإدارة شئون الدولة)، وكذلك نمط إدارة القضاء والعدالة - سواء تم ذلك من خلال نظام أحادي الرأس، أو عبر نظام مزدوج الرأس يتمثل في وجود محكمة دستورية مستقلة عن السلطة القضائية - لا بد من الإحاطة بجملة من المقاصد الفلسفية والتوجهات الفكرية التي تُشكّل الإطار الناظم للبناء الدستوري والقانوني للدولة. فالدستور لا يُعدّ مجرد وثيقة قانونية إجرائية، بل هو في جوهره تجسيد لرؤية فلسفية متكاملة حول طبيعة الدولة، وحدود السلطة، ومكانة الحقوق والحريات، ودور القانون في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، من خلال أجهزته القضائية المختلفة، وعلى رأسها القضاء الدستوري والقضاء العادي، كلٌّ بحسب اختصاصه. وانطلاقًا من هذا الفهم، فإن طبيعة المحكمة الدستورية، سواء أكانت هيئة مستقلة أم مدمجة ضمن هيكل السلطة القضائية، وموقعها داخل بنية الدولة، ونمط إدارتها وتنظيمها، لا يُعدّ مجرد خيار إداري أو تقني، بل يعكس رؤية الدولة لمفاهيم السيادة، والفصل بين السلطات، والرقابة المتبادلة. كما يُجسّد دور القضاء - بشقيه الدستوري والعادي - وفاعليتهما في صون العقد الاجتماعي، وحماية الحقوق، وتحقيق العدالة، وضمان استقرار النظام الدستوري. وللمزيد راجع في ذلك: فريق شرطة (حقوقي) دكتور/ الطيب عبدالجليل حسين محمود (المحامي إستشاري القانون والموثق)، كتاب: التشريع وصناعة القانون (المفهوم والمنهجيات والنظريات والتطبيق – رؤية مفتاحية عن السياسة والقانون)، المؤسسة العربية المتحده للنشر والتوزيع، مصر/ القاهرة، الطبعة الأولى، 2025م.
ولبيان الفلسفات والتوجهات الفكرية التي تقوم عليها النظم الدستورية والقضائية، نستعرض نماذج مختارة من بعض الدول ذات الأنظمة السلطوية المركزية القابضة، وتحديدًا تلك التي تنتمي إلى البُنى الشمولية ذات التوجه الشيوعي أو الحزب الواحد. ويأتي الإستعراض في إطار إشارة تحليلية مركّزة، تُسلّط الضوء على أبرز ملامح تلك التجارب من حيث بنية المحكمة الدستورية، وتوظيف القانون في خدمة السلطة، وحدود استقلال القضاء في ظل هيمنة الأيديولوجيا السياسية على البنية الدستورية والقانونية
 (أولاً) دولة روسيا الاتحادية:
دولة روسيا الاتحادية تمثل نموذجًا فريدًا لدولة تتبنى دستورًا ديمقراطيًا شكليًا، بينما تُدار فعليًا وفق فلسفة سلطوية مركزية قابضة، تتبنى شيوعية مركزية لينينية ذات طابع عسكري إداري بحت، تأسست عليها شيوعية الاتحاد السوفييتي متبنية توجهات الشيوعية الماركسية - اللينينية، بإقامة ديكتاتورية البروليتاريا تحت قيادة حزب شيوعي واحد، يسيطر على الدولة والمجتمع. فالدستور الذي صدر عام 1993م بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، يقوم نظريًا على مبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات. لكن الواقع العملي تحكمه فلسفة سياسية قائمة على دمج شرعية الدولة القومية مع أولوية الاستقرار السلطوي، وتستند إلى مرجعية فكرية يمكن وصفها بـالسيادة التنفيذية المحمية قانونياً، حيث يُستخدم القانون لضبط المعارضة أكثر من ضبط السلطة ذاتها، ويُقدّم الأمن القومي على أي موازنة مؤسسية بين السلطات.
وإزاء التصورات الفلسفية والفكرية التي إنبنى عليه دستور دولة روسيا الاتحادية، بنيوية المحكمة الدستورية مهيكلة ضمن بنية الدولة في هيكل الحكومة كهيئة مستقلة رسميًا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتُناط المحكمة الدستوية بمهام تفسير الدستور، والرقابة على دستورية القوانين، والفصل في النزاعات الدستورية بين مؤسسات الدولة. إلا أن تعديلات للدستور عام 2020م قلّصت من استقلالية المحكمة الدستورية، حيث أصبح لرئيس الدولة نفوذ غير مباشر في تعيين القضاة، وصلاحية إقالتهم في حالات محددة، ما أضعف من حيادها المؤسسي، وقلّص من دور المحكمة الدستورية كضامن دستوري.
ولهيكلة بنية المحكمة الدستورية كهيئة مستقلة خارج السلطة القضائية، تعتمد دولة روسيا الاتحادية نظام ثنائية الرأس لإدارة القضاء والعدالة. لأن المحكمة الدستورية مستقلة رسمياً بعيداً عن أي من سلطات الحكومة الثلاثة، حيث السلطة القضائية العامة (المحاكم الابتدائية، المحاكم الاستئنافية، المحاكم العليا)، تُدار من خلال مجلس للقضاة وهيئة قضائية عليا. ولكن واقعاً على المستوى العملي، يخضع النظام القضائي بأكمله لتأثير مركزي سياسي غير معلن، يتجلى في التدخل في التعيينات والتقييمات للقضاة والأحكام القضائية، ما يقيد فعالية الرقابة القضائية على أعمال الحكومة، ويفرغ مبدأ الفصل بين السلطات من مضمونه. 
ودور القضاء في ضبط السلطة وحماية العقد الاجتماعي، يُؤدي القضاء وبما فيه المحكمة الدستورية، دورًا محدودًا في تقييد تغوّل السلطة التنفيذية على بقية السلطات التشريعية والقضائية. فبالرغم من أن المحكمة الدستورية أصدرت حكم لها في التسعينيات برفض حل البرلمان عام 1993م إلا أن موقع المحكمة الدستورية تراجع تدريجيًا مع تصاعد هيمنة الرئاسة (هيمنة رئيس الدولة)، ولم تعد المحكمة الدستورية تمثل ضماناً فعلياً للعقد الاجتماعي، بل أصبحت جزءًا من آلية النظام السياسي المؤسسي التي تُكرّس استقرار النظام لا مساءلته. أي أنه وعلى الرغم من أن استقلالية المحكمة الدستورية منصوص عليها نظريًا في الدستور، إلا أنها مُفرغة من مضمونها فعليًا من خلال تحكم السلطة التنفيذية في تعيينات القضاة وتقييمهم، وإمكان إنهاء ولاية القضاة بقرارات سياسية، وعدم تنفيذ أو تجاهل بعض أحكام المحكمة.
وبوجه عام، دولة روسيا الاتحادية دولة ذات نظام رئاسي مركزي، يوجد فيها محكمة دستورية مستقلة من الناحية الشكلية، تمارس الرقابة على دستورية القوانين وقرارات الحكومة. ومع ذلك، الواقع العملي يُظهر تداخلاً كبيرًا بين السلطات، وهيمنة واضحة للسلطة التنفيذية، وعلى رأسها الرئيس (رأس الدولة). وأن القضاء الدستوري في روسيا، قضاء مسيس، وقضاء مصطف مع السلطة السياسية. وبينما القضاء العادي يُدار إداريًا عبر مجلس القضاة الأعلى، ويخضع في كثير من الحالات لتأثيرات سياسية مباشرة أو غير مباشرة. وبذلك النموذج الروسي يعكس فلسفة دستورية هجينة، تحافظ على البنية المؤسسية للدولة القانونية، لكنها تُفرغها من مضامينها من خلال تركيز السلطة مركزياً، وتقييد دور القضاء في الرقابة الفعلية على أداء مؤسسات الحكم.
(ثانياً) دولة جمهورية الصين الشعبية:
نموذج دولة جمهورية الصين الشعبية، تتبنى شيوعية براغماتية ذات طابع شمولي مركزي مع اقتصاد سوق مُوجّه، تطبّق نسخة شيوعية صينية خاصة، تستند إلى فكر ماو تسي تونغ، ومن بعده دنغ شياو بينغ، لكنها دمجت بين الاحتكار السياسي المطلق للحزب الشيوعي وانفتاح اقتصادي جزئي موجه. ويمثل الحزب الشيوعي الصيني فيها سيادة الدولة، فهو (أي الحزب الشيوعي) فوق أي إعتبارات سياسية، وأن استقلال القضاء في الصين مغيب ومتلاشي. فجمهورية الصين الشعبية تُجسّد نموذج الدولة ذات الحزب الواحد المالك لكل الدولة بمفاصلها. لأن سلطة الدولة يحتكرها بالكامل الحزب الشيوعي الصيني منذ عام 1949م. وتقوم الفلسفة والتوجهات الفكرية السياسية في الصين، على أن القانون خاضع لإرادة الحزب الشيوعي، وأنه (أي القانون) مجرد وسيلة لضبط المجتمع وتوجيهه وفق أيديولوجية الحزب المتبني تيار الشيوعية الاشتراكية. ولا وجود لفصل مؤسسي بين السلطات، بل توحيد السلطة بالكامل في يد الحزب الحاكم. ففلسفة وحدة القيادة والمرجعية الفكرية المبني على القيادة الفكرية الشاملة للحزب، وأن القانون في خدمة الحزب، يضع الحزب فوق الدولة والقانون، ويجعل من مؤسسات الحكم أدوات تنفيذية لخط الحزب الأيديولوجي (الشيوعية الاشتراكية). فلا يوجد فصل مؤسسي بين السلطات في النموذج الصيني؛ بل تُدمج السلطات الثلاث - التشريعية والتنفيذية والقضائية - في بنية هيكل واحد، يخضع لهيمنة الحزب. فالقانون ليس سلطة مستقلة، بل وسيلة لتوجيه المجتمع وضبطه وفق رؤى الحزب، لا لضبط سلوك الحزب أو محاسبته. كما لا يُعدّ القضاء سلطة مستقلة، بل يُدار بوصفه جهازًا إداريًا – سياسيًا ضمن منظومة الحزب، وهذا التوجه نص عليه الدستور صراحة في التعديل الدستوري لعام 2018م، أن قيادة الحزب الشيوعي للدولة مبدأً دستوري. وهذا التوصيف الدستوري، يجعل السيادة فعلياً للحزب، بينما يصبح القانون أداة لتنفيذ الإراده الأيديولوجية للحزب.
ومكانة المحكمة الدستورية في بنية الحكومة، لا توجد في الصين محكمة دستورية مستقلة بالمعنى المتعارف عليه في الأنظمة الليبرالية أو المختلطة، وبالمعنى الكلاسيكي كما في الدول الديمقراطية. فلا مكانة للمحكمة الدستورية، فهي غير موجودة (أي لا يوجد رأس مستقل للمحكمة الدستورية)، بل إنما القضاء كله جزء من جهاز الدولة الخاضع للحزب. فالرقابة الدستورية في الصين من اختصاص اللجنة التشريعية التابعة للحزب. وبدل المحكمة الدستورية، يوجد لجنة دائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب (النواب)، وهي ذراع تشريعية خاضعة للحزب، وتمارس سلطة الرقابة على دستورية القوانين. أي سلطة الرقابة الدستورية تمارسها السلطة التشريعية نفسها، التي تخضع بدورها للحزب الحاكم. فهذا النمط لإدارة السلطة في الصين، ينسجم مع الفلسفة الصينية والتوجهات الفكرية الرافضة لفكرة وجود جهة مستقلة فوق المشرّع تراقب دستورية القوانين، لأنها إذا وُجِدت تُعدّ منافسة لسلطة الحزب الحاكم المالك للدولة. وتبعاً على ذلك، البنية المؤسسية في اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، تفرغ مبدأ الرقابة الدستورية من مضمونها. فهي (أي اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب) لا تمثل جهة مستقلة تفصل في النزاع بين السلطة والقانون، بل إنما بنية وجهة مؤسسيه، تُستخدم لتكريس قرارات الحزب، وتمكين الحزب من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية معًا. 
واعتماداً على الفلسفة والتوجهات الفكرية لإدارة السلطة في الصين، إدارة القضاء والعدالة في الصين جهاز إداري - سياسي يُنفِذ الخط العام للحزب الحاكم المالك للدولة، ويخضع القضاء بالكامل للجهاز الحزبي للدولة. وحيث أن الرقابة على الدستورية، تمارس من داخل البرلمان التابع للحزب، ففكرة الاستقلال القضائي غير قائمة، وإنما يخضع القضاء الصيني لتوجيهات الحزب، حتى في القضايا المدنية والتجارية. وبذلك، إدارة القضاء والعدالة في الصين مُتحكم ومُسيطر عليه ضمن هيكل هرمي موحّد، تشرف عليه لجنة يُطلق عليها لجنة الشئون السياسية والقانونية التابعة للحزب الشيوعي، والتي بدورها تشرف على المحاكم والنيابات وأجهزة الأمن. وعملياً لا يوجد رأس قضائي مستقل أو سلطة دستورية تفصل في النزاعات الدستورية، لأنه لا يوجد رأس مستقل للمحكمة الدستورية، فالقضاء كله جزء لا يتجزأ من جهاز إدارة الدولة ومطلقاً خاضع للحزب. فالنظام القضائي في الصين آلية من آليات تنفيذ سياسات الحزب، لا من آليات الرقابة على الحزب. فلا يمارس القضاء الصيني دوراً رقابياً على السلطة، بل يُستخدم لضمان انضباط مؤسسات الدولة والمجتمع تحت خط الحزب العام. وكما مفهوم العقد الاجتماعي المعروف في النماذج الليبرالية التقليدية المتعارف عليها، غائب تماماً، إنما يُستعاض عنه بـعقد سياسي غير مكتوب، يقوم على منح الحزب الاستقرار والنمو مقابل الولاء والخضوع للحزب. أي بموجب العقد السياسي الغير مكتوب، يقدم الحزب الاستقرار والنمو الاقتصادي للمجتمع الصيني، مقابل خضوع المجتمع لقيادة الحزب، دون مساءلة له. 
ولتحسين فاعلية القضاء في الصين، فقد تمت بعض الإصلاحات الإجرائية في مجالي التجارة والاستثمار، لتعزيز الثقة الاقتصادية. ورغم ذلك، الإصلاحات لم تمس جوهر البنية الأيديولوجية للنظام القضائي المسيس، الذي يظل خاضعاً بالكامل لإرادة الحزب. ولا يزال استقلال القضاء غائباً، حتى في القضايا المدنية، حيث يُنظر إلى القرارات القضائية بوصفها امتداداً لسياسات الدولة والحزب، لا تعبيراً عن سيادة القانون. أي رغم الإصلاحات التي أدخلت في بعض القضايا التجارية والاقتصادية لحماية المستثمرين، فإن التعديلات لم تمس بهيكلة القضاء وتبعيته السياسية للحزب، فلا يزال دور القضاء في الرقابة أو التفسير الدستوري مفقود عملياً. 
(ثالثًا) دولة جمهورية كوبا الاشتراكية: 
تُعد كوبا مثالاً فريدًا لنموذج القضاء الدستوري الموجود في ظل نظام اشتراكي ثوري، يتبنى شيوعية ثورية أيديولوجية مغلقة ذات طابع كاريزمي، وتمثل أحد آخر معاقل الشيوعية الكلاسيكية المستوحاة من النهج الكاريزمي للثورة التي تستند إلى أفكار فيدل كاسترو، وتشي غيفارا، وتقوم على أساس الماركسية – اللينينية، ويُدار النظام بقيادة حزب واحد متحكم ومسيطر على إدارة سلطة الدولة. فوفقًا للمادة الخامسة من دستور 2019م، يُشكِّل الحزب الشيوعي الكوبي القوة السياسية العليا في الدولة والمجتمع، ويعكس مركزية القيادة الحزبية في توجيه مؤسسات الدولة وصياغة سياساتها العامة. ويستند النظام الدستوري الكوبي إلى الفلسفة الماركسية - اللينينية، التي ترفض الفصل التقليدي بين السلطات، وتُعلي من شأن وحدة القيادة السياسية تحت راية الحزب. ووفقاً لفلسفة إدارة السلطة والتوجهات الفكرية السياسية، كوبا تمثل نموذجاً اشتراكياً صارماً، حيث لا توجد محكمة دستورية مستقلة. والرقابة الدستورية، يمارسها البرلمان والنيابة العامة (الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية)، ولكن في إطار خاضع للحزب الشيوعي الكوبي. وكما أن القضاء العادي نفسه، يُدار بطريقة مركزية تخضع للتوجيه السياسي للحزب. ويعكس النظام الكوبي فلسفة ترى أن سيادة الحزب فوق القانون، وأن دور القضاء هو ضمان وحدة التوجه الأيديولوجي للحزب، لا الفصل بين السلطات.
وتبعاً عليه، بنية المحكمة الدستورية أو ما يعادلها في القضاء العادي التقليدي، لا يوجد في كوبا محكمة دستورية مستقلة على النحو المعروف في النظم الدستورية التقليدية للأنظمة الليبرالية. ومهمة تفسير أحكام الدستور يقوم بها بنية مؤسسيه يطلق عليها الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية (فهو البرلمان)، وتحديدًا لجنتها الدائمة، وإن في بعض الحالات، يجوز للمحكمة العليا تأويل النصوص القانونية. وواقع عملي، مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين غائب عن البنية الدستورية الكوبية، لقناعة النظام بأن السيادة التشريعية هي التعبير للإرادة الثورية، فلا ينبغي أن تُخضع الإراده الثورية لرقابة قضائية مستقلة. كما أن نمط إدارة القضاء والعداله، القضاء في كوبا موحّد ومركزي، ويخضع مباشرة لإشراف الجمعية الوطنية التي تتولى تعيين قيادات السلطة القضائية، بما في ذلك رئاسة المحكمة العليا. ولا يوجد رأس مستقل للقضاء الدستوري، بل  القضاء جزءًا من منظومة الدولة الاشتراكية التي تُدار وفق توجيهات الحزب الحاكم. ودور القضاء في ضبط السلطة وحماية العقد الاجتماعي، لا يُنظر إلى القضاء في كوبا كوسيلة لضبط السلطة التنفيذية أو التشريعية أو تقييد صلاحياتهما، بل القضاء أداة لخدمة المشروع الاشتراكي الثوري، وأداة لخدمة المجتمع الاشتراكي الثوري. ومن ثمّ، فإن مفاهيم مثل العقد الاجتماعي أو الفصل بين السلطات غير حاضرة في فلسفة النظام، أي ليست جزءًا من البنية الفلسفية أو المؤسسية للنظام. وإدارة القضاء والعدالة في السياق الكوبي، تُفهم بوصفها آلية داعمة للقيم الثورية وإنعكاس له، وليست آلية للفصل أو الموازنة بين السلطات.
ويفتقر النظام السياسي مفهوم فكرة استقلال القضاء، أو وجود رقابة دستورية على القوانين وقرارات الحكومه، حيث لا يوجد إستقلال فعلي للقضاء في القضايا ذات الطابع السياسي أو الدستوري، ونتيجة له، القضاء خاضعً للهيمنة التشريعية التي يمارسها الحزب الشيوعي من خلال الجمعية الوطنية. أما الرقابة على القوانين، فتُمارَس ضمن آليات داخل البرلمان (الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية)، وليست عبر جهاز قضائي مستقل. وعلى الرغم من إدراج دستور 2019م لبعض المفاهيم الجديدة كحقوق المواطن والحماية القضائية، فإن تطبيقها ما يزال محدوداً وغير مفصولة عن الاطار الآيديولوجي العام للحزب، وإنما يخضع للإطار العام الأيديولوجي الذي يحكم الدولة الكوبية. وبذلك، تمثل كوبا نموذجا لدولة اشتراكية أحادية الحزب، حيث لا توجد محكمة دستورية مستقلة، ويتم دمج وظيفة الرقابة الدستورية ضمن أعمال البرلمان والنيابة العامة (الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية). وكما أن القضاء العادي بدوره لا يتمتع باستقلال حقيقي، بل يعمل في إطار توجيهات الحزب الشيوعي الكوبي، الذي يعكس التوجهات الفكرية للنظام المركزي بسيادة العقيدة السياسية على القانون، ويجعل من القضاء وسيلة لضمان الالتزام بالخط السياسي العام الآيديولجي للحزب.
وللحديث بقية، لنستكمل من خلاله الجوانب الفلسفية والتوجهات الفكرية التي تشكّل الأساس البنيوي للأحكام والقرارات القضائية الدستوريه التي تصدرها المحكمه الدستوريه، بالتفكير والنقد، والتفكير النقدي، لنصوص الدستور والقانون. والاحكام والقرارت القضائية التي تصدرها المحاكم العادية، بتحليل الوقائع ونصوص القانون.
  
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
المحامي إستشاري القانون والموثق
01 أغسطس 2025م

 📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات

 بالضغط هنا ⚖️ أو للمتابعة عبر تطبيق "خدمات قانونية" قم بتحميله بالضغط هنا

♻️ شارك المنشور تكرما ♻️
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -