مكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء في السودان (4)
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
المحامي إستشاري القانون والموثق
(Eltayeb2hussein@gmail.com - Eltayeb.hussein@yahoo.com
بداية لهذه المقالة عن تجارب بعض الدول فيما يتعلق بوضع ومكانة المحكمة الدستورية وإدارة القضاء بآحادية أو ثنائية الرأس، بوجود محكمة دستورية منفصلة عن السلطة القضائية وعلى رأسها رئيس المحكمة الدستورية، أو المحكمة الدستورية مهيكلة داخل السلطة القضائية وعلى رأسها رئيس القضاء. لا بد من التنويه على أن أي إصلاحات أو دراسات تتعلق بإدارة القضاء والعدالة في السودان، تظلّ بلا أثر حقيقي إذا لم تنطلق من القيم الكلية للمجتمع السوداني، بما فيها أعرافه وتقاليده وموروثاته العرفية التي تشكل أساس التعاقد الاجتماعي. فلا يمكن أن يكون الإصلاح القانوني والعدلي في السودان، مجرد نسخ ومحاكاة لنماذج أجنبية، أو تقليد أعمى لمقاربات مأخوذة من تجارب لدول أجنبية. أو الإستناد المطلق على تنظيرات أكاديمية مرجعيتها الفلسفة الأوروبية الشرقية والغربية وأمريكا الشمالية، أو على مرجعيات لتشريعات كونيه عالمية، بطغيان التشريعات العالمية على التشريعات الوطنية. بل يجب أن يستند أي إصلاحات إلى واقع الناس، حتى يكتسب الشرعية والقبول الشعبي، ويحقق الاستقرار والعدالة الفعلية. فأي إصلاحات أو كتابات متعلقة بإدارة القضاء والعدالة في السودان، لن تحقق أثرًا ملموسًا، ما لم تنطلق من القيم الكلية الاجتماعية للمجتمع السوداني، بما تحمله من أعراف وتقاليد وموروثات تشكل أساس التعاقد الاجتماعي. وبإيجاز يمكن القول، الإصلاح القانوني والعدلي في السودان، لا يمكن أن يكون مجرد استنساخ ومحاكاة لتجارب أجنبية أو لتنظيرات نظرية منفصلة عن الواقع الاجتماعي للسودانيين، بل يجب أن يُبنى على فهم عميق لخصوصية المجتمع السوداني، حتى يكتسب الشرعية والقبول الشعبي، ويسهم في تحقيق الاستقرار والعدالة الفعلية.
وللمزيد راجع في ذلك: فريق شرطة) حقوقي) دكتور/ الطيب عبدالجليل حسين محمود (المحامي إستشاري القانون والموثق)، كتاب التشريع وصناعة القانون(المفهوم والمنهجيات والنظريات والتطبيق – رؤية مفتاحية عن السياسة والقانون)، المؤسسة العربية المتحده للنشر والتوزيع، مصر/ القاهرة، الطبعة الأولى، 2025م. وتنزيلاً لما أشرنا إليه، دون إسهاب وتطويل أو إيجاز وإختزال، نستعرض نماذج وضع ومكانة المحكمة الدستورية في بنية الحكومة، وأثرها على إدارة القضاء والعدالة، متناولين الإستعراض الآتي:
(أولاً): دولة جنوب أفريقيا:
بنهاية نظام الفصل العنصري الأبارتيد A partied 1993م – 1994م، دولة جنوب أفريقيا أنشأت محكمة دستورية قوية البنية التشريعية. وبنيتها التشريعية تعمل برأس واحد داخل السلطة القضائية برئاسة رئيس القضاء، مما عزز من كفاءتها وفعاليتها في أداء دورها. ولكنها(أي المحكمة الدستورية) من حيث إستقلاليتها داخل السلطة القضائية، محكمة مستقلة عن باقي محاكم السلطة القضائية بدرجاتها المحاكم الإبتدائية، محكمة الإستئناف، المحكمة العليا، مما ضمن فاعلية نزاهتها واستقلالها في اتخاذ الأحكام والقرارات. وتؤدي المحكمة الدستورية دوراً محورياً جوهرياً أساسي في حماية الحقوق الدستورية للمواطنين، وضمان تطبيق القوانين والسياسات بما يتوافق مع الدستور. وتساهم المحكمة الدستورية من خلال أحكامها في بناء الثقة العامة وسط المواطنين، وتعزيز فاعلية التوجهات الرضائية للمواطنين تجاه صرح القضاء والعدالة.
وأهمية المحكمة الدستورية في دولة جنوب أفريقيا، تساهم بقوة في تعزيز العدالة من خلال تفسير الدستور والرقابة الدستورية على تشريعات القوانين والقرارات الصادرة من الحكومة، وتطبيق القوانين بشكل عادل ونزيه ومحايد، مما ساعد على تطوير تشريعات القوانين وسلامة قرارات الحكومة، وتعزيز فاعلية إرساء العدالة بين المواطنين. وتعمل المحكمة الدستورية على ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، مما عزز من استقرار المجتمع وتماسكه. وللمحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا تأثير إيجابي على المجتمع، من خلال تعزيز الحقوق الدستورية، وبناء الثقة في النظام القضائي. وبفضل استقلالية المحكمة الدستورية داخل السلطة القضائية وقوتها التشريعية، للمحكمة الدستورية قدرة مواجهة تحديات التطبيق والتنفيذ السليم لأحكامها، وقدرة ضمان الامتثال للقوانين والسياسات القضائية لحل النزاعات السياسية، واستقلالية التمويل المالي والاداري ضمن سياسات الإستقلالية المالية والادارية لإدارة القضاء والعدالة في جنوب أفريقيا.
وبايجاز، المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا، تؤدي دوراً محورياً في حماية الحقوق الدستورية، وتعزيز الثقة العامة في النظام القضائي، مما يساهم في بناء مجتمع عادل ومستقر
(ثانياً) دولة ألمانيا الإتحادية:
بإعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، أنشأت محكمة دستورية فيديرالية مستقلة، وتعمل بنظام أحادية الرأس، مهيكلة إدارياً ضمن سياسات السلطة القضائية برئاسة رئيس القضاء. والمحكمة الدستورية الفيدرالية لدولة ألمانيا الاتحادية، تؤدي دوراً حاسماً في ضمان وحدة النظام القانوني والسياسي للدولة الموحدة. وكونها محكمة مستقلة داخل السلطة القضائية، فهي تعمل بشكل مستقل بجانب محاكم السلطة القضائية الأخرى مثل المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف والمحكمة العليا. وهذا الهيكل البنائي لإدارة القضاء والعدالة في دولة ألمانيا الاتحادية، عزز من فاعلية قدرات الانسجام والاستقرار القانوني والسياسي للإتحاد الفيديرالي، وكما ساهم بفاعلية في تحقيق مستويات الانسجام القانوني والسياسي بين ولايات الشرق والغرب.
والمحكمة الدستورية الفيديرالية في دولة ألمانيا الاتحادية، تؤدي دوراً محورياً في ضمان وحدة النظام القانوني والسياسي للدولة الموحدة، وتشرف على الرقابة الدستورية لتشريعات القوانين وقرارات الحكومة الاتحادية. فهي أي المحكمة الدستورية، ركيزة محورية أساسية لتوازن السلطات التشريعية والتنفيذية لأعمال الحكومة، مما عزز استقرار النظام السياسي للدولة. وتقوم بدور وظيفي بتفسير الدستور الألماني، وتصدر أحكاماً ملزمة للحكومة ومؤسسات الدولة، ولها سلطة الإشراف والرقابة الدستورية على القوانين والقرارات التي تصدرها حكومات الاتحاد، مما يضمن توافق القوانين والقرارات والسياسات مع الدستور.
(ثالثاً) دولة النمسا:
النمسا تطبق نموذجاً فريداً لإدارة القضاء والعدالة، يعتمد على نظام الرأسين، حيث يوجد رئيس للقضاء العادي في السلطة القضائية رئيساً للمحكمة العليا ومحاكم السلطة القضائية، ورئيس آخر للرقابة الدستورية في المحكمة الدستورية. وهذا النظام البنائي لإدارة القضاء والعدالة في النمسا، يعزز من استقلالية القضاء، ويضمن حماية الحقوق الدستورية. ودواعي ثنائية الرأسين في النمسا لإدارة القضاء والعدالة، مرجعيته نظام الحكم الجمهوري الاتحادي السائد في النمسا، فهي جمهورية اتحادية تتكون من تسع ولايات اتحادية، لكل ولاية حكم ذاتي مستقل. والنمسا في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة، تعمل بنظام البرلمان ثنائي الغرفتين، لأن البرلمان يتكون من المجلس الوطني ومجلس الشيوخ (مجلس الولايات). ويسود في النمسا نظام سياسي يعتمد على الديمقراطية التمثيلية، حيث يتم انتخاب أعضاء البرلمان من الشعب. ونظام القضاء في النمسا المتعدد الرأسين، نجد فيه المحكمة الدستورية جهة قضائية مستقلة مهيكلة داخل البرلمان النمساوي، ومن الوحدات القضائية المستقلة في البرلمان.
وبالتالي، المجلس الوطني ومجلس الشيوخ (الولايات)، يتمثل درهما في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة. وبينما المحكمة الدستورية المهيكلة في برلمان دولة النمسا، يرأسها رئيس المحكمة الدستورية، ويتمثل دورها في الرقابة الدستورية على دستورية القوانين والقرارات التي تصدر عن الحكومة، ومسئولة عن ضمان توافق القوانين والقرارات الحكومية مع الدستور النمساوي. والقضاء العادي في السلطة القضائية، يرأسه رئيس المحكمة العليا، ويشمل المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمحكمة العليا.
وأهمية استقلالية المحكمة الدستورية داخل برلمان دولة النمسا، أن كل من القضاء العادي وقضاء الرقابة الدستورية، كلاهما قضاء مستقل تماماً عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، مما يعزز من نزاهة وعدالة النظام القضائي في النمسا. وثنائية الرأسين لإدارة القضاء والعدالة في النمسا، يساعد ويعزز من قدرات إدارة الأزمات السياسية، لما للمحكمة الدستورية الدور الحاسم في إدارة الأزمات السياسية، تأدية لوظيفتها الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والقرارات الحكومية، مما يساهم في استقرار النظام السياسي. ولخصوصية وطبيعة النظام السياسي لإدارة الدولة، فائدة النظام القضائي لإدارة القضاء والعدالة برأسين في دولة النمسا، أنه يساهم في تعزيز الثقة في النظام القضائي، من خلال ضمان استقلالية القضاء وعدالة الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الدستورية. وكما يعزز النظام الثنائي الرأس من حماية الحقوق الدستورية للمواطنين، مما يساهم في بناء مجتمع عادل ومستقر.
وبإيجاز، لطبيعة النظام السياسي الدستوري لدولة النمسا، ولضبط وتنظيم توزيع سلطات إدارة الدولة، نموذج الرأسين في النمسا لإدارة القضاء والعدالة، يعزز من فاعلية استقلالية القضاء، ويساهم في إدارة الأزمات السياسية من خلال الرقابة الدستورية على أعمال الحكومة، مما يعزز من استقرار النظام السياسي والثقة في القضاء. ولخاصية النظام السياسي لدولة النمسا، المحكمة الدستورية في النمسا، تعمل بشكل مستقل عن البرلمان، ولكنها وظيفياً تكمل دور البرلمان في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة. فالعلاقة بين المحكمة الدستورية والبرلمان في النمسا، المحكمة الدستورية مستقلة عن البرلمان، ولكنهما وبمفهوم الاستقلالية المتبادلة (التبادلية) يعملان معاً لضمان تطبيق الدستور وحماية الحقوق الدستورية. وبمفهوم التكامل الوظيفي، يعمل البرلمان على سن ووضع القوانين، بينما تعمل المحكمة الدستورية على ضمان توافق هذه القوانين مع الدستور، مما يعزز من استقرار النظام السياسي والثقة في المؤسسات الحكومية.
(رابعاً) دولة مصر:
المحكمة الدستورية في مصر تأسست بإنموذج قريب من أحادية الرأس داخل منظومة القضاء، ويلاحظ التنظيم السياسي والدستوري لأبنية الحكومة، السلطة القضائية خاضعة لإشراف وزير العدل في السلطة التنفيذية، ولكن إشراف وزير العدل فقط فيما يتعلق بالشئون الإدارية والمالية للمحكمة الدستورية ولإدارة القضاء والعدالة في السلطة القضائية. أي وزير العدل لا سلطة تدخل له في الشئون الفنية لمعايير جودة المحاكم والأحكام القضائية. فهو نظام قضائي بنيوي يتلائم مع طبيعة النظام السياسي السائد في مصر، المواجه بمهددات أمنية عالية جسيمة وخطيره للموقع الجيوسياسي لدولة مصر في قارتي أفريقيا وآسيا، مما يجعل دولة مصر عرضة لتحديات أمنية جسيمة وخطيرة بسبب الصراعات والتوترات السياسية الإقليمية والدولية الطابع. وكما للصراع العربي الإسرائيلي المستمر لنحو سبعة عقود ونيف، يمثل أحد التحديات الرئيسية التي تؤثر على استقرار منطقة الشرق الأوسط في أفريقيا جنوب البحر الأبيض المتوسط (شمال أفريقيا وجنوب صحراء العمق الأفريقي جنوباً)، ودول ساحل شرق الخليج العربي في قارة آسيا (منظومات دول الخليج العربي)، ودول ساحل الشريط الشمالي لبحر العرب في المحيط الهندي، ودول شريط غرب ساحل البحر الأبيض المتوسط في قارة أسيا (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، والدول المتشاطئة على خليج البحر الأحمر (السودان وأرتيريا والصومال في قارة أفريقيا واليمن في قارة آسيا). فهي بالجملة عوامل موضوعية، لها تأثيراتها المباشرة على بنيوية النظام السياسي والقضائي في مصر.
وبالتالي، البناء القضائي للمحكمة الدستورية وإدارة القضاء في مصر، يواجه تحديات أمنية وجيوسياسية كبيرة وخطيرة على بقاء الدولة المصرية ووجودها. وعملياً، ولدواعي المهددات الأمنية الجسيمه، صياغة النظام السياسي والقضائي السائد في دولة مصر، يعزز من قدرة استقلالية المحكمة الدستورية، ومن خلال آليات قانونية وقضائية فعالة - وبحسب مقتضيات دواعي الأمن - يمكن تحقيق التوازن بين مهددات الأمن وحماية الحقوق والحريات الدستورية(التوازن بين مقتضيات الأمن الوطني والحقوق الدستورية).
(خامساً) دولة إيطاليا:
المحكمة الدستورية في إيطاليا، تعمل بنظام ثنائية الرأس لإدارة القضاء والعدالة، فهي محكمة مستقلة ومنفصلة عن السلطة القضائية التقليدية(محاكم السلطة القضائية)، وتمارس دورها الرقابي على التشريع والتنفيذ بشكل منفصل مستقل عن أي من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، مما يعزز من استقلاليتها وفعاليتها. وللمحكمة الدستورية في ايطاليا دور حاسم في الفصل بين التشريع في السلطة التشريعية والتنفيذ في السلطة التنفيذية، وتؤدي دور حاسم لتحقيق ضمان سيادة الدستور. وتؤدي المحكمة الدستورية وظيفتها الدستورية من خلال سلطة الرقابة على دستورية القوانين والقرارات الحكومية، فهي بذلك، تساهم في تعزيز الديمقراطية وحماية الحقوق والحريات الدستورية. وكما تساهم بفاعلية في احتواء العديد من الأزمات السياسية، بالفصل بين التشريع والتنفيذ وضمان سيادة الدستور.
وتعزيز فاعلية استقلالية المحكمة الدستورية في إيطاليا، يتم من عدة آليات وإجراءات تشريعية قوية وفاعلة. مؤداه، تعزيز الاستقلالية المالية للمحكمة بتمويل مالي مستقل، حيث تحصل المحكمة الدستورية على تمويل مالي مستقل عن الحكومة، مما يضمن لها الاستقلالية المالية والقدرة على أداء دورها دون تدخل. وتعزيز الاستقلالية الإدارية للمحكمة، حيث تتمتع المحكمة الدستورية بإدارة ذاتية مستقله، بتولى إدارة شئونها الإدارية والمالية بنفسها دون تدخل من الحكومة. وتعزيز الاستقلالية القضائية باختيار القضاة من خلال آلية اختيار مستقلة للقضاة، وهو تدبير يضمن نزاهة القضاة واستقلاليتهم. وحماية القضاة، بتوفير حماية تشريعية للقضاة يحول من التدخل أو التأثير السياسي على القضاة، مما يعزز من استقلالية القضاة وقدرتهم على اتخاذ القرارات دون خوف أو ضغط سياسي. وللمحكمة الدستورية في إيطاليا دور حاسم وفعال في احتواء الأزمات السياسية، بوسيلتي الرقابة الدستورية والفصل بين السلطات، بما يحقق وظيفة الرقابة على دستورية القوانين والقرارات الحكومية، ووظيفة الفصل بين السلطات، بالمساهمة في تعزيز الفصل بين السلطات. فالتدابير التشريعية المصاغة تمنع أي سلطة من تجاوز صلاحياتها، ويعزز من استقرار النظام السياسي. ومواجهة للتحديات التي تواجهها المحكمة الدستورية في إيطاليا، المحكمة الدستورية ومن خلال دعم وإسناد سياسي ومجتمعي وآليات رقابية فعالة، تم صياغة تشريعات قوانين وقرارات فعالة، تمنع من ممارسة أي ضغوط سياسية تؤثر على استقلالية المحكمة وقدرتها على اتخاذ القرارات، ومواجهة التحديات المالية التي تؤثر على قدرة المحكمة لأداء دورها بفعالية. فهي تدابير وإجراءات تعزز من استقلالية ومصداقية المحكمة الدستورية، وضمانة فعالية أدائها، وتعزز من ثقة المجتمع في المحكمة الدستورية.
(سادساً) المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي:
المملكة العربية السعودية ودول منظومة الخليج العربي، النظام القضائي في هذه الدول، يغلب عليه الأساس الديني، حيث تعتمد منظومة دول الخليج العربي على الشريعة الإسلامية كأساس للقوانين والأنظمة القضائية العدلية، مما يؤثر على هيكل ونظام القضاء في هذه الدول. والرقابة على القوانين في بعض دول الخليج العربي مثل الكويت والبحرين، توجد فيها محاكم أو دوائر دستورية، تعمل تحت إشراف القضاء، ولكنها ليست مستقلة بشكل كامل عن بقية السلطات. فغالبية هذه الدول لا تمتلك محاكم دستورية مستقلة بالشكل التقليدي المتعارف عليه في النظم السياسية والدستورية الدولية العالمية الطابع. وعملياً المحاكم والدوائر الدستورية تعمل وفق أنظمة تستند إلى الشريعة الإسلامية، حيث يتم الرقابة على القوانين والأنظمة من خلال مجالس عليا(مثل مجلس الشورى أو الهيئات القضائية العليا)، أو من خلال المحكمة العليا التي تتولى الرقابة القضائية على القرارات التنفيذية والتشريعية. ففي الكويت والبحرين توجد محاكم أو دوائر دستورية، تعمل تحت إشراف القضاء، لكنها ليست مستقلة بشكل كامل عن بقية السلطات.
وواقع عملي، الاعتماد على الشريعة الإسلامية، يؤثر على هيكل ونظام القضاء في دول الخليج العربي. فالأساس الديني يعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية، إذ تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للقوانين والأنظمة الوضعية في دول الخليج العربي، مما يعني أن القضاء يجب عليه، أن يأخذ في الاعتبار الأحكام والمبادئ الإسلامية عند النظر في القضايا. وهذا يتطلب من القضاة الإحاطة بقواعد التفسير الديني، لتفسير الشريعة الإسلامية وتطبيقها على القضايا المعروضة أمام القضاة، مما يتطلب من القضاة مستوى عال من المعرفة الدينية. وإعتماداً عليه، المحاكم أو الدوائر الدستورية في الرقابة على دستورية القوانين والقرارات الحكومية، تؤدي وظيفتها بقدر ما يحقق ضمان توافق تشريعات القوانين وقرارات الحكومة مع الشريعة الإسلامية والدستور. وواقع عملي تساهم المحاكم أو الدوائر الدستوريه في حماية حقوق الأفراد والمجتمع، بتطبيق العدالة وفقاً للشريعة الإسلامية والقوانين السارية. وبوجه عام، الاعتماد على الشريعة الإسلامية، يؤثر على هيكل ونظام القضاء في دول الخليج العربي. والذي يلاحظ في النظم السياسية لإدارة القضاء والعدالة في دول منظومة الخليج العربي، المحاكم أو الدوائر الدستورية، تؤدي دوراً حاسماً في الرقابة على دستورية القوانين والقرارات الحكومية.
ومواءمة للمعايير الدولية لإدارة القضاء والعدالة في منظومة دول الخليج العربي، الأنظمة السياسية تضع من التدابير النظامية تشريعاً لها، بما يحقق تعزيز استقلالية المحاكم أو الدوائر الدستورية، وتحقيق ضمانات الاستقلال المالي والإداري للمحاكم والدوائر الدستورية. وتعيين قضاة مستقلين، وتدريبهم وتأهيلهم، بمقدار ما يحقق تعزيز قدرات القضاة على تفسير الشريعة الإسلامية وتطبيقها على القضايا المعروضة أمامهم. وتعزيز معايير الشفافية والمساءلة القضائية من خلال نشر وإعلان القرارات القضائية التي تصدرها المحاكم أو الدوائر الدستورية، وتوفير آليات للطعن في الأحكام والقرارات القضائية. والعمل على تعزيز فعالية آداء المحاكم أو الدوائر الدستورية، باستخدام وسائل وسائط التكنولوجيا والنظم الإلكترونية المتطوره لإدارة القضايا والأحكام والقرارات القضائية. وتطوير قدرات المحاكم أو الدوائر الدستورية في دول الخليج العربي، بتبادل الخبرات والمعرفة القضائية والعدلية النوعية، بوسيلة تعزيز آليات التعاون الدولي مع الأنظمة الدولية القضائية والعدلية المشابهة الأخرى.
ولتحقيق التوازن بين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية، المحاكم أو الدوائر الدستورية في منظومات دول الخليج العربي، تعتمد على تفسيرات دينية معاصرة ومتوافقة مع المبادئ الدستورية والحقوق الإنسانية الدولية العالمية الطابع. وتقوم بمراجعة دستورية للقوانين والقرارات الحكومية، لضمان توافقها مع الشريعة الإسلامية والدستور. وتعمل الأنظمة السياسية والقضائية والعدلية على تعزيز استقلالية المحاكم أو الدوائر الدستورية من خلال ضمان استقلالها المالي والإداري عن السلطة التنفيذية والتشريعية. وتعيين قضاة مستقلين، يتمتعون بالنزاهة والكفاءة. وتطبيق العدالة بشكل عادل ومستقل، بالنظر في جميع الجوانب القانونية والدستورية للقضايا المعروضة أمام المحاكم أو الدوائر الدستورية، بمقدار معايير تطبيق العدالة الموضوعية، واتخاذ القرارات القضائية دون تدخل من السلطة التنفيذية أو التشريعية.
(سابعاً) الولايات المتحدة الأمريكية:
المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، تلعب دوراً حاسماً في تفسير الدستور والقوانين الفيدرالية، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، وأحكام وقرارات المحكمة العليا نهائية، ولا يمكن الطعن فيها من أي سلطة أخرى تنفيذية أو تشريعية. بما يعني ويفيد، أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل نموذجاً لأنظمة أحادية الرأس في إدارة القضاء والعدالة، لما تتمتع به المحكمة العليا من سلطة مطلقة في تفسير الدستور والقوانين الفيدرالية، والمساهمة في ضمان العدالة والحماية الدستورية في البلاد. وأحادية الرأس في إدارة القضاء والعدالة في الولايات المتحدة الأمريكية، هو أن المحكمة العليا تمثل رأس السلطة القضائية، وتتمتع بسلطة واسعة في تفسير القوانين والقرارات الحكومية. وأن المحكمة العليا تتمتع باستقلالية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يسمح لها باتخاذ قرارات مستقلة وغير متأثرة بالضغوط السياسية.
وتبعاً لنظام إدارة القضاء والعدالة في الولايات المتحدة الأمريكية، تأثير أحادية الرأس على إدارة القضاء والعدالة، أن وجود المحكمة العليا كسلطة قضائية مركزية، يساهم في وضوح واتساق القرارات القضائية في جميع أنحاء البلاد. ويؤدي وظيفة الحماية الدستورية، بتعزيز أن يكون للمحكمة العليا دوراً حاسماً في حماية الحقوق الدستورية، وضمان تطبيق القوانين الفيدرالية بشكل عادل. والدور الوظيفي للمحكمة العليا في بنية الحكومة (الإدارة الأمريكية)، المحكمة العليا هي السلطة المسئولة عن تفسير الدستور والقوانين الفيديرالية، وتحديد مدى دستورية القوانين والقرارات الحكومية. وللمحكمة العليا سلطة الرقابة القضائية على القوانين والقرارات الحكومية، وتستطيع إلغاء القوانين وقرارات الحكومة التي تعتبرها المحكمة غير دستورية. وتعيين القضاة في المحكمة العليا، يصدر بقرار من الرئيس الأمريكي، ويتم تصديق تعيين قضاة المحكمة العليا من مجلس الشيوخ. ويتعيّن قاضي المحكمة العليا في وظيفته القضائية في المحكمة العليا، لمدة حياة القاضي، مما يعزز من استقلالية قضاة المحكمة العليا، ويقلل من التأثيرات السياسية على قراراتهم.
ولطبيعة النظام السياسي الفيديرالي لشكل الدولة، وتركيبة ديموغرافيا المجتمع الأمريكي، لتأثيرات الهجرة على المجتمع الأمريكي (اللوتري)، والتغير الديموغرافي المستمر في التركيبة السكانية للمجتمع الأمريكي. المحكمة العليا لها تأثير على المجتمع الأمريكي، من خلال العديد من القرارات التاريخية التي أثرت على المجتمع الأمريكي، مثل قرار إلغاء الفصل العنصري في المدارس، وقرار إلغاء حق الإجهاض. مما يثير الكثير من الجدل حول المحكمة العليا، حيث يرى البعض أن المحكمة العليا تتدخل في الشئون السياسية، وبينما يرى آخرون أن المحكمة العليا تؤدي دوراً حاسماً في حماية الحقوق الدستورية، وتساهم بقدر كبير في احتواء العديد من الأزمات السياسية، بتفسير الدستور الأمريكي، وإصدار أحكام وقرارات قضائية ملزمة على الجميع. وللتغيير الديموغرافي المستمر بحقن المجتمع الأمريكي بهجرات بشرية تراتيبية (بنظام يانصيب اللوتري). فالمحكمة العليا تؤدي دوراً وظيفياُ في حماية حقوق المهاجرين، وضمان تطبيق القوانين الفيدرالية بشكل عادل على فئة حاصلي المواطنة الأمريكية باللوتري الـ Lottery، والذي هو نظام عشوائي لاختيار الفائزين في مسابقات أو سحوبات اليانصيب، وغالبًا ما يتم استخدام اللوتري في الألعاب والمقامرات. ففي سياق الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية اللوتري ألـ Lottery، يشير إلى نظام السحب العشوائي Diversity Visa Lottery، أي برنامج اليانصيب للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يتيح للأفراد من مختلف دول العالم المشاركة في سحب عشوائي للحصول على تأشيرة هجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والإقامة متوطناً فيها بحقوق المواطنة المتساوية في المجتمع الأمريكي للولايات المتحدة. وبرنامج الـ Diversity Visa Lottery، نظام للهجرة يهدف إلى تعزيز التنوع الثقافي في مجتمع دولة الولايات المتحدة الأمريكية، بحقن المجتمع الأمريكي بهجرات بشرية من خلال منح تأشيرات هجرة للأفراد من دول ذات معدلات هجرة منخفضة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتبعاً لكل ما أشرنا له، إصلاح القضاء والعدالة في السودان، ليس مجرد عملية فنية لإعادة هيكلة المؤسسات القضائية والعدلية، بل هو مشروع وطني لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس من الشرعية والثقة. ولكي يكون هذا الإصلاح مستداماً، يجب أن يُبنى على القيم الكلية للمجتمع السوداني، فيدمج بين القانون الحديث والأعراف التقليدية، بما يحقق التوازن بين العدالة الرسمية والعدالة الشعبية. وهذا النهج وحده قادر على ترسيخ الاستقرار وبناء دولة القانون في السودان. وللحديث بقية، بمرئيات معالجة وضع المحكمة الدستورية والهيئات القضائية الشبيهة فنياً في إصدار الأحكام والقرارت القضائية.
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
المحامي إستشاري القانون والموثق
27 يوليو 2025م
📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات