مفهوم النظام العام في القانون | خدمات قانونية |

موجز الاخبار

مفهوم النظام العام في القانون | خدمات قانونية |

 بسم الله الرحمن الرحيم 
مشاهد 
مفهوم النظام العام في القانون
محمد الطيب عابدين 
 الخبير و إستشاري  القانوني
 
    ما أن يُذكر عبارة ( النظام العام ) حتى ينصرف ذهن البعض إلى قانون النظام العام الملغى سئ الذكر و السمعة نصوصاً و تطبيقاً و الذي يعتبر مثالاً و تطبيقاً عملياً معيباً لمفهوم النظام العام ، وهو أيضأ محاكاة و نسخة مشوهة من قانون الأداب العامة المصري الذي لا يخلو هو الآخر من العيوب و النقائص . 
  و لما كان القانون الجنائي السوداني ، إذا تم تطويره ، كافياً لمعالجة الجرائم المستحدثة و المتطورة ، فلم نر ما يستوجب إصدار تشريع منفصل بإسم قانون النظام العام  . 
     إلا أن النظام العام الذي نفرد له هذا المبحث ، ليس هو ذاك القانون القمئ ، إنما يتعلق بمفهوم مصطلح ( النظام العام في القانون )، و مدلولاته و معانيه و محدداته ، و كيفية تطبيقه . 
     يعرف القانونيون عبارة متداولة في أروقة المحاكم ، و منظومات التعليم و التدريب القانوني، أن القاعدة أو الأمر الذي يتعلق بالنظام العام في القانون يجوز إثارتها و الإحتجاج بها في أية مرحلة من مراحل التقاضي ، دون قيد ، حتى في مرحلة المرافعات الختامية ، كما يجوز للمحكمة إثارتها من تلقاء نفسها دون تثريب عليها ، و تشمل هذه الإباحة و الجواز حتى درجة النقض ( المحكمة العليا ) ، و للمحكمة الدستورية أيضاً أن تحتج بمسوغ النظام العام و مخالفته إذا كان الطعن الدستوري يقع ضمن دائرة إختصاصها المحددة قانوناً . 
ما هو النظام العام؟ :
   في الواقع ليس من السهولة تحديد فكرة النظام العام نظرياً لما يكتنفها من الغموض والإبهام لدرجة أنها قد استعصت عن وضع تعريف جامع مانع لها ، وقد عبر بعض الفقهاء عن ذلك بقولهم : ” إن النظام العام يستمد عظمته من ذلك الغموض الذي يحيط به ، فمن مظاهر سموه أنه ظل متعالياً على كل الجهود التي بذلها الفقهاء لتعريفه ” .
   فكرة النظام العام فكرة نسبية ومرنة تعبر بصفة عامة عن *الأسس الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يقوم عليها نظام المجتمع ( كنظام العام ) ، وهذه الأسس قد تتبدل بتبدل عواملها وتختلف باختلاف المجتمعات ، لذلك فإن فكرة النظام العام تتغير بتغير الزمان والمكان .

  أما تطبيقات فكرة النظام العام فكثيرة ، إذ يمكن القول أن كل قواعد القانون العام تتعلق بالنظام العام ، ذلك أن هـذه القواعد تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفاً فيها ، باعتبارها صاحبة السيادة ، ومادام الأمر كذلك فإن تلك القواعد تنظم دائماً مصلحة أساسية من مصالح المجتمع .
  فمثلاً قواعد القانون المالي الذي هـو فرع من فروع القانون العام *تتعلق بالنظام العام ، لذلك لا يجوز الاتفاق على التهرب من الضريبة ، أو الاختلاس أو الرشوة أو خيانة الامانة ، مثلاً .

   وتطبيقات فكرة النظام العام لا تقتصر على فروع القانون العام حصراً بل تمتد أيضاً في نطاق القانون الخاص ، فالنصوص التي تضع حداً أدنى لأجور العمال تتعلق بالنظام العام ، لأنها تحمي مصلحة اجتماعية ، وأحكام الميراث والوصية والزواج تتعلق بالنظام العام . 
   أما فكرة الآداب فإنها تعتبر جزءاً من فكرة النظام العام ، إذ تعبر عن الحد الأدنى من العادات الأخلاقية الواجب مراعاتها في المجتمع ، أو بمعنى آخر الناموس الأدبي الذي يقوم عليه المجتمع ، وهو جزء من كل يضاف إلى الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ليتكون بعد ذلك ما يسمى بالنظام العام . 

   فالنظام العام هو مجموعة القواعد والوسائل التي توفّر الحماية العامة للمواطنين  والمجتمع عامة الذين يتواجدون على أرض دولة والتي يترتب على غيابها انهيار المجتمع ككل . كما يترتب على مخالفة النظام العام  البطلان و لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان , كما للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها . 
    و من صور النقد المصوب على مفهوم النظام العام أنه قد يستعمل للحد من حريات الأشخاص و حقوقهم العامة بحجة مخالفة مفهوم النظام العام الفضفاض، وهو ما تمثله تماماً قانون النظام العام الذي سلفت الإشارة إليه  . 
    أوردت محكمة التمييز في دائرتها المدنية بدولة قطر بتاريخ ١٧ / ١١ / ٢٠١٥م، تعريفاً لمفهوم النظام العام، نجتزئي منه ما يلي : 
 (( ١- النظام العام يعني مجموعة المبادئ الأساسية التي ترعى النظام السياسي، والتوافقات الاجتماعية، والقواعد الاقتصادية، والقيم الأخلاقية التي يقوم عليها كيان المجتمع، ويتحقق بها الصالح العام. وإن انصهر مفهوم النظام العام في الأغلب الأعم ضمن نص تشريعي، إلا أنه لا يضيق بتلك النصوص، بل يتسع ليشكل مفهوماً مطلقاً، قائماً بذاته. فإذا ما تضمن نص تشريعي لقاعدة آمرة أو ناهية تتصل بأحد تلك الأسس، وتتوخى المصلحة العامة لا مصلحة الأفراد، فلا يجوز التحلل منها، أو إهدارها، باعتبارها أصون لتلك المصالح المرتبطة بها، وأدعى إلى تنحية المصلحة الفردية التي تناقضها، بوصفها واقعة في المجال الطبيعي للنظام العام، الذي يتحدد دائرة ومفهوماً، تخوماً ونطاقاً، على ضوء تلك العوامل الأساسية للمجتمع. إعلاء للصالح العام وتغليبه، فيضحى كل التزام انصب محله على مناهضة تلك القاعدة، أو أبرم لسبب يتعارض معها، باطلاً بطلاناً مطلقاً . 
٢- تحديد مفهوم النظام العام هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة التمييز بحسبانها القيمة على إحترام وحماية المبادئ العامة التي يقوم عليها النظام القانوني )) .
   و لأماد بعيدة عرف القضاء السوداني مفهوم النظام العام، و إن لم يؤطره في سياق تشريعي مكتوب ، ولكن طبقه في أحكامه عدلاً طبيعياً بين الناس خلال تاريخ القضاء في السودان الذي يعود لأكثر من خمسمائة عام  . ففي عهد مملكة سنار ( السلطنة الزرقاء ١٥٠٤م -- ١٨٢٠م ) كان قضاة السلطنة يقيمون العدل بين الناس حفظاً للنظام العام ، و قواعد الدين الإسلامي . 
    أما في عهد مملكة الفونج سنة ٩١٠هجرية و التي يؤرخ لها البعض ببداية تاريخ القضاء في السودان، فقد كان لرجال السياسية و الإدارة في ذلك العصر سلطة الفصل في الخصومات بين الناس على حفظ النظام صيانةً للملك و جباية للمكوس ، أما في مجال الخصومات المتعلقة بالأحوال الشخصية الخاضعة للناموس الديني فقد ترك أمر الفصل فيها لعلماء الدين للحفاظ على النظام العام لحياة الناس صوناً للأحكام الشرعية . 
   بدأت سلطة القضاء الحديث في السودان على فترتين الأولى في عهد المصلحة القضائية ١٨٩٩م -- ١٩٥٦م ، و الثانية في عهد الهيئة القضائية ١٩٥٦م -- ٢٠٠٥م و التي تحولت إلى السلطة القضائية فيما بعد . ( *تم افتتاح دار الحقانية " مباني السلطة القضائية" في ٢٤ / ٢ / ١٩٠٨م* . ) 
    ظل القضاء السوداني على مختلف حقبه  يعرف مفهوم النظام العام  و إن تباينت تفسيرات و وتطبيقات ذلك المفهوم حسب الزمان و المكان ، إلا أنه لم يخرج عن سياق التعريف العام الذي ذكرناه وهو مجموعة المبادئ الأساسية التي ترعى النظام السياسي، والتوافقات الاجتماعية، والقواعد الاقتصادية، والقيم الأخلاقية التي يقوم عليها كيان المجتمع، ويتحقق بها الصالح العام. 
       مع تحياتي ،،،
 محمد الطيب عابدين

 📌لمتابعة جميع المقالات و الاخبار و الوظائف و الدورات التدريبية القانونية عبر قروبات "وعي قانوني" انضم لاحد القروبات

 بالضغط هنا ⚖️ أو للمتابعة عبر تطبيق "خدمات قانونية" قم بتحميله بالضغط هنا

♻️ شارك المنشور تكرما ♻️
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -